قال ابن العربيّ (١) في «أحكامه» : وهذا القول هو الصحيح ، وذلك أنّ قوما غلّوا من الغنائم ، أو همّوا ، فأنزل الله تعالى الآية ، فنهاهم الله عن ذلك ، رواه الترمذيّ. انتهى.
وقوله تعالى : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ...) الآية : وعيد لمن يغل من الغنيمة ، أو في زكاته بالفضيحة يوم القيامة على رءوس الأشهاد ، قال القرطبيّ في «تذكرته» (٢) : قال علماؤنا (رحمهمالله) في قوله تعالى : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) : إنّ ذلك على الحقيقة ؛ كما بيّنه صلىاللهعليهوسلم ، أي : يأتي به حاملا له على ظهره ورقبته ، معذّبا بحمله وثقله ، ومروّعا بصوته ، وموبّخا بإظهار خيانته. انتهى. وفي الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم ؛ أنّه قال : «أدّوا الخائط والمخيط ؛ فإنّ الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة» (٣) رواه مالك في «الموطّأ» ، قال أبو عمر في «التمهيد» : الشّنار : لفظة جامعة لمعنى العار والنّار ، ومعناها الشّين ، والنّار ؛ يريد أن الغلول شين وعار ومنقصة في الدّنيا ، وعذاب في الآخرة. انتهى ، وفي الباب أحاديث صحيحة في الغلول ، وفي منع الزكاة.
وقوله سبحانه : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) ، أي : الطاعة الكفيلة برضوان الله.
قال ص : «أفمن» : استفهام ، معناه : النّفي ، أي : ليس من اتبع ما يئول به إلى رضا الله تعالى عنه ؛ فباء برضاه ، كمن لم يتّبع ذلك ؛ فباء بسخطه. انتهى.
وقوله سبحانه : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) قال ابن إسحاق وغيره : المراد بذلك الجمعان المذكوران ؛ أهل الرّضوان ، وأصحاب السّخط (٤) ، / أي : لكلّ صنف منهم تباين في نفسه في منازل الجنة ، وفي أطباق النّار أيضا ، وقال مجاهد والسّدّيّ ما ظاهره : أن المراد بقوله : «هم» ، إنما هو لمتبعي الرضوان (٥) ، أي : لهم درجات كريمة عند ربهم ، وفي الكلام حذف ، تقديره : هم ذوو درجات ، والدرجات : المنازل بعضها أعلى من بعض في المسافة ، أو في التكرمة ، أو في العذاب ، وباقي الآية وعد ووعيد.
__________________
(١) ينظر : «الأحكام» لابن العربي (١ / ٣٠١)
(٢) ينظر : «التذكرة» للقرطبي (١ / ٣٩٩)
(٣) أخرجه مالك (٢ / ٤٥٧ ـ ٤٥٨) ، كتاب «الجهاد» ، باب ما جاء في الغلول ، حديث (٢٢) عن عبد الرّحمن بن سعيد عن عمرو بن شعيب مرسلا.
وأخرجه أبو داود (٢ / ٧٠) (٢٦٩٤) ، والنسائي (٦ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣) ، وأحمد (٢ / ١٨٤) ، والبيهقي (٦ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده موصولا.
(٤) ذكره ابن عطية (١ / ٥٣٦)
(٥) ذكره ابن عطية (١ / ٥٣٧)