(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤) أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٦٥)
وقوله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ...) الآية : اللام في «لقد» : لام القسم ، و «منّ» في هذه الآية : معناه : تطوّل وتفضّل سبحانه ، وقد يقال : «منّ» بمعنى كدّر معروفه بالذّكر ، فهي لفظة مشتركة ، وقوله : (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، أي : في الجنس ، واللسان ، والمجاورة ، فكونه من الجنس يوجب الأنس به ، وكونه بلسانهم يوجب حسن التفهيم ، وكونه جارا وربيّا يوجب التصديق والطّمأنينة ؛ إذ قد خبروه وعرفوا صدقه وأمانته ، ثم وقف الله سبحانه المؤمنين على الخطإ في قلقهم للمصيبة الّتي نزلت بهم ، وإعراضهم عمّا نزل بالكفّار ، فقال : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) ، أي : يوم أحد (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) ، أي : يوم بدر ؛ إذ قتل من الكفّار سبعون ، وأسر سبعون ، هذا تفسير ابن عبّاس (١) ، والجمهور.
وقال الزّجّاج (٢) : واحد المثلين : هو قتل السبعين يوم بدر ، والثاني : هو قتل اثنين وعشرين يوم أحد ، ولا مدخل للأسرى ؛ لأنهم قد فدوا.
و (أَنَّى) : معناها : كيف ، ومن أين ، (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ، أي : حين خالفتم النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الرأي حين رأى أن يقيم بالمدينة ، ويترك الكفّار بشّر محبس ، فأبيتم إلا الخروج ، وهذا هو تأويل الجمهور ، وقالت طائفة : (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) : إشارة إلى عصيان الرّماة ، وتسبيبهم الهزيمة على المؤمنين ، وقال عليّ والحسن : بل ذلك لما قبلوا الفداء يوم بدر (٣) ؛ وذلك أنّ الله سبحانه أخبرهم على لسان نبيّه بين قتل الأسرى أو يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدّة الأسرى ، فاختاروا أخذ الفداء ، ورضوا بالشّهادة ، فقتل منهم يوم أحد سبعون ، قلت : وهذا الحديث رواه الترمذيّ عن عليّ (رضي الله عنه) ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال أحمد بن نصر الدّاووديّ : وعن الضّحّاك : (أَنَّى هذا) ، أي : بأيّ ذنب هذا؟
__________________
(١) أخرجه الطبري (٣ / ٥٠٨) برقم (٨١٨٥) ، وذكره ابن عطية (١ / ٥٣٨) ، والسيوطي (٢ / ١٦٦) ، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٢) ينظر : «معاني القرآن» (١ / ٤٨٨)
(٣) أخرجه الطبري (٣ / ٥٠٩) برقم (٨١٩٠) عن علي ، وذكره ابن عطية (١ / ٥٣٨) ، والسيوطي (٢ / ١٦٦) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن الحسن ، ولابن أبي شيبة ، والترمذي وحسنه ، وابن مردويه عن علي.