آتاهم الله من فضله ، ومستبشرون للمؤمنين أنّهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؛ ثم أكّد سبحانه استبشارهم بقوله : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ) ، ثم بيّن سبحانه بقوله : (وَفَضْلٍ) ، أنّ إدخاله إياهم الجنّة هو بفضل منه ، لا بعمل أحد ، وأمّا النعمة في الجنّة ، والدّرجات ، فقد أخبر أنّها على قدر الأعمال.
قلت : وخرّج أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن حرب (١) صاحب ابن المبارك في «رقائقه» ، بسنده ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي ؛ «أنّ الشّهداء في قباب من حرير في رياض خضر ، عندهم حوت وثور ، يظلّ الحوت يسبّح في أنهار الجنّة يأكل من كلّ رائحة في أنهار الجنّة ، فإذا أمسى وكزه الثّور بقرنه ، فيذكيه ، فيأكلون لحمه ، يجدون في لحمه طعم كلّ رائحة ، ويبيت الثّور في أفناء الجنّة ، فإذا أصبح ، غدا عليه الحوت ، فوكزه بذنبه ، فيذكيه ، فيأكلون ، فيجدون في لحمه طعم كلّ رائحة في الجنّة ، ثمّ يعودون ، وينظرون إلى منازلهم من الجنّة ، ويدعون الله عزوجل أن تقوم السّاعة ...» الحديث. انتهى. مختصرا ، وقد ذكره صاحب «التذكرة» مطوّلا.
وقرأ الكسائيّ : «وإنّ الله» ؛ بكسر (٢) الهمزة ؛ على استئناف الإخبار ، وقرأ باقي السبعة بالفتح على أنّ ذلك داخل فيما يستبشر به ، وقوله : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا) يحتمل أن يكون صفة للمؤمنين ؛ على قراءة من كسر الألف من «إنّ» ، والأظهر أنّ الذين ابتداء ، وخبره في قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ ...) الآية ، والمستجيبون لله والرسول : هم الذين خرجوا مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى حمراء الأسد في طلب قريش.
(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)(١٧٤)
وقوله سبحانه : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ...) الآية : «الذين» : صفة للمحسنين ، وهذا القول هو الذي قاله الركب من عبد القيس لرسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) الحسين بن الحسن بن حرب السلمي ، أبو عبد الله المروزي ، ثم المكي. عن ابن المبارك ، وهشيم ، وابن عيينة ، ويزيد بن زريع ، وخلق. وعنه الترمذي وابن ماجة.
ينظر : «الخلاصة» (١ / ٢٢٤)
(٢) ينظر : «السبعة» (٢١٩) ، و «الحجة» (٣ / ٩٨) ، و «حجة القراءات» (١٨٢) ، و «إعراب القراءات» (١ / ١٢٢) ، و «العنوان» (٨١) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ١٧٨) ، و «شرح شعلة» (٣٢٦) ، و «إتحاف» (١ / ٤٩٤) ، و «معاني القراءات» (١ / ٢٨٠)