وأصحابه حين حمّلهم أبو سفيان ذلك ، «فالنّاس» الأوّل هم الرّكب ، و «النّاس» الثّاني عسكر قريش ؛ هذا قول / الجمهور ، وهو الصواب ، وقول من قال : إن الآية نزلت في خروج النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى بدر الصّغرى لميعاد أبي سفيان ، و (إِنَّ النَّاسَ) هنا هو نعيم بن مسعود ـ قول ضعيف ، وعن ابن عبّاس ؛ أنه قال : «حسبنا الله ونعم الوكيل» قالها إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ، حين ألقى في النّار ، وقالها محمّد صلىاللهعليهوسلم حين قالوا : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، رواه مسلم. والبخاريّ (١). انتهى.
(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)(١٧٨)
وقوله سبحانه : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ ...) الآية : إشارة إلى جميع ما جرى من أخبار الرّكب عن رسالة أبي سفيان ، ومن جزع من جزع من الخبر.
وقرأ الجمهور (٢) : «يخوّف أولياءه» ، قال قوم : معناه : يخوّف المنافقين ، ومن في قلبه مرض ، وحكى أبو الفتح بن جنّي (٣) ، عن ابن عبّاس ؛ أنه قرأ «يخوّفكم أولياءه» ، فهذه قراءة ظهر فيها المفعولان ، وهي مفسّرة لقراءة الجماعة ، وفي قراءة أبيّ بن كعب : «يخوّفكم بأوليائه» ، وفي كتاب «القصد إلى الله تعالى» ؛ للمحاسبيّ (٤) ، قال : وكلما عظمت هيبة الله عزوجل في صدور الأولياء ، لم يهابوا معه غيره ؛ حياء منه عزوجل أن يخافوا معه سواه. انتهى.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٧٧) كتاب «التفسير» ، باب (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) ، حديث (٤٥٦٣) عن ابن عباس.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٥٤٤) ، و «البحر المحيط» (٣ / ١٢٥) ، و «الدر المصون» (٢ / ٢٦٣)
(٣) ينظر : «المحتسب» (١ / ١٧٧)
(٤) الحارث بن أسد ، أبو عبد الله المحاسبي ، قال ابن الصلاح : ذكره أبو منصور التميمي في الطبقة الأولى من الشافعية فيمن صحب الشافعي. قال ابن قاضي شهبة : أحد مشايخ الصوفية. توفي سنة ٢٤٣ ه.
ينظر : «طبقات ابن قاضي شهبة» (١ / ٥٩) ، و «طبقات الفقهاء» للعبادي (ص ٢٧) ، و «ميزان الاعتدال» (١ / ١٩٩).