وقوله سبحانه : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) ، والمسارعة في الكفر : هي المبادرة إلى أقواله وأفعاله ، والجدّ في ذلك ، وسلّى الله تعالى نبيّه ـ عليهالسلام ـ بهذه الآية عن حال المنافقين والمجاهرين ؛ إذ كلّهم مسارع ، وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) : خبر في ضمنه وعيد لهم ، أي : وإنما يضرّون أنفسهم ، والحظّ : إذا أطلق ، فإنما يستعمل في الخير ، وقوله سبحانه : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) : نملي : معناه : نمهل ونمدّ في العمر ، والمعنى : لا تحسبنّ إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم ، فالآية ردّ على الكفّار في قولهم : إنّ كوننا مموّلين أصحّة دليل على رضا الله بحالتنا.
(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(١٨٠)
وقوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ) ، أي : ليدع المؤمنين مختلطين بالمنافقين ، مشكلا أمرهم ؛ حتى يميز بعضهم من بعض ؛ بما يظهره من هؤلاء وهؤلاء في «أحد» من الأفعال والأقوال ، هذا تفسير مجاهد وغيره (١).
وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) ، أي : في أمر أحد ، وما كان من الهزيمة وأيضا : فما كان الله ليطلعكم على المنافقين تصريحا وتسمية لهم ، ولكن بقرائن أفعالهم وأقوالهم.
قال الفخر (٢) : وذلك أنّ سنة الله جارية بأنّه لا يطلع عوامّ الناس على غيبه ، أي : لا سبيل لكم إلى معرفة ذلك الامتياز إلّا بامتحانات ؛ كما تقدّم ، فأمّا معرفة ذلك على سبيل الاطلاع من الغيب ، فهو من خواصّ الأنبياء ، فلهذا قال تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ). انتهى.
وقال الزّجّاج (٣) وغيره : روي أنّ بعض الكفّار قال : لم لا يكون جميعنا أنبياء ،
__________________
(١) ذكره الماوردي في «تفسيره» (١ / ٤٣٩) بنحوه ، وذكره أيضا ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٥٤٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٤) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٢) ينظر : «مفاتيح الغيب» لفخر الدين الرازي (٩ / ٩٠)
(٣) ينظر : «معاني القرآن وإعرابه» للزجاج (١ / ٤٩٢)