قال الغزّاليّ في «الجواهر» : واعلم أنّ المعاني في عالم الآخرة تستتبع الصّور ، ولا تتبعها ، فيتمثّل كلّ شيء بصورة توازي معناه ، فيحشر المتكبّرون في صور الذّرّ يطؤهم من أقبل وأدبر ، والمتواضعون أعزّاء. انتهى ، وهو كلام صحيح يشهد له صحيح الآثار ؛ ويؤيّده النظر والاعتبار ، اللهم ، وفّقنا لما تحبّه وترضاه.
قال ابن العربيّ (١) في «أحكامه» : قال علماؤنا : البخل : منع الواجب ، والشّحّ : منع المستحبّ ، والصحيح المختار أنّ هذه الآية في الزكاة الواجبة ؛ لأنّ هذا وعيد لمانعيها ، والوعيد إذا اقترن بالفعل المأمور به ، أو المنهيّ عنه ، اقتضى الوجوب أو التحريم. انتهى. وتعميمها في جميع أنواع الواجب أحسن.
وقوله سبحانه : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خطاب على ما يفهمه البشر ، دالّ على فناء الجميع ، وأنه لا يبقى مالك إلّا الله سبحانه.
(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(١٨٢)
وقوله سبحانه : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ ...) الآية : نزلت بسبب فنحاص اليهوديّ وأشباهه ؛ كحييّ بن أخطب وغيره ، لمّا نزلت : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [الحديد : ١١] ، قالوا : يستقرضنا ربّنا ، إنما يستقرض الفقير الغنيّ ، وهذا من تحريف اليهود للتأويل على نحو ما صنعوا في توراتهم.
وقوله تعالى : (قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا) : دالّ على أنّهم جماعة.
وقوله تعالى : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا ...) الآية : وعيد لهم ، أي : سنحصي عليهم قولهم ، ويتصل ذلك بفعل آبائهم من قتل الأنبياء بغير حقّ.
وقوله سبحانه : (أَنَّ اللهَ) ؛ أي : وبأنّ الله ليس بظلّام للعبيد.
__________________
ـ أخرجه الحاكم (٣ / ٦٠٤) والطبراني في «الكبير» (٦١٨٣) كلاهما من طريق سعيد بن محمد الوراق عن موسى الجهني عن زيد بن وهب عن سلمان به وصححه الحاكم.
وتعقبه الذهبي فقال : الوراق تركه الدار قطني وغيره. وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠ / ٢٩٢) : رواه الطبراني وفيه سعيد بن محمد الوراق ، وهو متروك.
(١) ينظر : «أحكام القرآن» (١ / ٣٠٣)