فتفكّرت في حالي ، وكيف أتلقّى الغلّ ، إن طرح في عنقي يوم القيامة ، فما زلت في ذلك حتى أصبح.
قال ع (١) : وهذه نهاية الخوف ، وخير الأمور أوساطها ، وليس علماء الأمّة الذين هم الحجّة على هذا المنهاج ، وقراءة علم كتاب الله ومعاني سنّة رسوله لمن يفهم ويرجى نفعه أفضل من هذا ، لكن يحسن ألّا تخلو البلاد من مثل هذا.
قال ع (٢) : وحدثني أبي (رحمهالله) ، عن بعض علماء المشرق ، قال : كنت بائتا في مسجد الإقدام ب «مصر» فصلّيت العتمة ، فرأيت رجلا قد اضطجع في كساء له ، حتى أصبح ، وصلّينا نحن تلك اللّيلة ، وسهرنا ، فلمّا أقيمت صلاة الصّبح ، قام ذلك الرجل ، فاستقبل القبلة ، وصلّى مع النّاس ، فاستعظمت جرأته في الصلاة بغير وضوء ، فلمّا فرغت الصلاة ، خرج ، فتبعته لأعظه ، فلمّا دنوت منه ، سمعته ، وهو ينشد : [المنسوح]
منسجن الجسم غائب حاضر |
|
منتبه القلب صامت ذاكر |
منبسط في الغيوب منقبض |
|
كذاك من كان عارفا ناكر |
يبيت في ليلة أخا فكر |
|
فهو مدى اللّيل نائم ساهر |
قال : فعلمت أنه ممّن يعبد الله بالفكرة ، فانصرفت (٣) عنه.
قال الفخر (٤) : ودلّت الآية على أنّ أعلى مراتب الصّدّيقين التفكّر. انتهى.
وفي «العتبية» : قال مالك : قيل لأمّ الدّرداء : ما كان أكثر شأن أبي الدّرداء؟ قالت : كان أكثر شأنه التفكّر. قال مالك : وهو من الأعمال ، وهو اليقين ؛ قال الله عزوجل : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، قال ابن رشد : والتفكّر من الأعمال ؛ كما قاله مالك (رحمهالله) ، وهو من أشرف الأعمال ؛ لأنه من أعمال القلوب التي هي أشرف الجوارح ؛ ألا ترى أنه لا يثاب أحد على عمل من أعمال الجوارح من سائر الطّاعات ، إلّا مع مشاركة القلوب لها بإخلاص النّيّة لله (عزوجل) في فعلها. انتهى من «البيان والتحصيل».
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٥٥٥)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٥٥٥)
(٣) وهذا الفعل غير مشروع ؛ لأنه يخالف الكتاب والسنة ؛ لأن التفكر الذي يجعل العبد يعبد الله (عزوجل) على غير نهجه ، فباطل وغير مأجور عليه العبد.
(٤) ينظر : «تفسير الرازي» (١ / ١٢٢)