قال ابن بطّال (١) : إن الإنسان إذا كمل إيمانه ، وكثر تفكّره ، كان الغالب عليه الإشفاق والخوف. انتهى.
قال ابن عطاء الله : الفكرة سير القلب في ميادين الاعتبار ، والفكرة سراج القلب ، فإذا ذهبت ، فلا إضاءة له.
قلت : قال بعض المحقّقين : وذلك أن الإنسان إذا تفكّر ، علم ، وإذا علم ، عمل.
قال ابن عبّاد (٢) : قال الإمام أبو القاسم القشيريّ (رحمهالله) : التفكّر نعت كلّ طالب ، وثمرته الوصول بشرط العلم ، ثم فكر الزاهدين : في فناء الدنيا ، وقلّة وفائها لطلّابها ؛ فيزدادون بالفكر زهدا ، وفكر العابدين : في جميل الثواب ، فيزدادون نشاطا ورغبة فيه ، وفكر العارفين : في الآلاء والنعماء ؛ فيزدادون محبّة للحقّ سبحانه. انتهى.
وقوله تعالى : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) ، أي : يقولون : يا ربّنا ؛ على النداء ، ما خلقت هذا باطلا ، يريد : لغير غاية منصوبة ، بل خلقته ، وخلقت البشر ؛ لينظروا فيه ؛ فيوحّدوك ، ويعبدوك ؛ فمن فعل ذلك نعّمته ، ومن ضلّ عن ذلك عذّبته ، وقولهم : (سُبْحانَكَ) ، أي : تنزيها لك عمّا / يقول المبطلون ، وقولهم : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) ، أي : فلا تفعل ذلك بنا ، والخزي : الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء.
قال أنس بن مالك ، والحسن بن أبي الحسن ، وابن جريج ، وغيرهم : هذه إشارة إلى من يخلد في النّار ، وأمّا من يخرج منها بالشفاعة والأمان ، فليس بمخزى ، أي : وما أصابه
__________________
(١) شارح «صحيح» البخاري ، العلامة أبو الحسن ؛ عليّ بن خلف بن بطال البكريّ ، القرطبي ، ثم البلنسي ، ويعرف ب «ابن اللّجّام».
أخذ عن : أبي عمر الطّلمنكي ، وابن عفيف ، وأبي المطرّف القنازعي ، ويونس بن مغيث.
قال ابن بشكوال : كان من أهل العلم والمعرفة ، عني بالحديث العناية التامة ؛ شرح «الصحيح» في عدة أسفار ، رواه الناس عنه ، واستقضي بحصن «لورقة». توفي في صفر سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
تنظر ترجمته في : «ترتيب المدارك» (٤ / ٨٢٧) ، و «الديباج المذهب» (٣ / ١٠٥ ـ ١٠٦) ، و «شجرة النور الذكية» (١ / ١١٥) ، و «سير أعلام النبلاء» (١٨ / ٤٧)
(٢) محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك بن إبراهيم بن محمد بن مالك بن إبراهيم بن يحيى بن عباد النفزي ، الحميري ، الرندي ، أبو عبد الله ، المعروف ب «ابن عباد» : متصوف باحث. من أهل «رندة» بالأندلس. تنقل بين «فاس» و «تلمسان» و «مراكش» و «سلا» و «طنجة» ، واستقر خطيبا للقرويين ب «فاس». وتوفي بها. له كتب ، منها «الرسائل الكبرى» في التوحيد والتصوف ومتشابه الآيات ، و «غيث المواهب العلية بشرح الحكم العطائية» ، و «كفاية المحتاج» و «الرسائل الصغرى».
ينظر : «الأعلام» (٥ / ٢٩٩)