عطيّة ؛ قاله سفيان وغيره ، وقال قوم : نزلت في عبد الله بن سلام (١) ، وقال ابن زيد ومجاهد : نزلت في جميع من آمن من أهل الكتاب (٢).
وقوله سبحانه : (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) : مدح لهم ، وذمّ لسائر كفّار أهل الكتاب ؛ لتبديلهم وإيثارهم مكاسب الدّنيا على آخرتهم ، وعلى آيات الله سبحانه ، ثم ختم الله سبحانه السّورة بهذه الوصاة التي جمعت الظّهور في الدنيا على الأعداء ، والفوز بنعيم الآخرة ، فحضّ سبحانه على الصبر على الطاعات ، وعن الشهوات ، وأمر بالمصابرة ، فقيل : معناه مصابرة الأعداء ؛ قاله زيد بن أسلم (٣) ، وقيل : معناه مصابرة وعد الله في النّصر ؛ قاله محمد بن كعب القرظيّ (٤) ، أي : لا تسأموا وانتظروا الفرج ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «انتظار الفرج بالصّبر عبادة» (٥).
قال الفخر (٦) : والمصابرة عبارة عن تحمّل المكاره الواقعة بين الإنسان ، وبين الغير. انتهى.
وقوله : (وَرابِطُوا) : معناه عند الجمهور : رابطوا أعداءكم الخيل ، أي : ارتبطوها ؛ كما يرتبطها أعداؤكم ، قلت : وروى مسلم في «صحيحه» ، عن سلمان ، قال : سمعت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الّذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتّان» (٧) ، وخرّج الترمذيّ ، عن فضالة بن عبيد ، عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «كلّ ميّت يختم على عمله إلّا الّذي مات مرابطا في سبيل الله ؛ فإنّه ينمو عمله إلى يوم القيامة ، ويأمن من فتنة القبر» ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن
__________________
(١) أخرجه الطبري (٣ / ٥٦٠) برقم (٨٣٨٢) عن ابن جريج ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٣٨٨) عن ابن جريج ، والماوردي في «تفسيره» (١ / ٤٤٥) ، وابن عطية (١ / ٥٥٩)
(٢) أخرجه الطبري (٣ / ٥٦٠) برقم (٨٣٨٤) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٣٨٨) ، والماوردي (١ / ٤٤٥) ، وابن عطية (١ / ٥٥٩)
(٣) ذكره ابن عطية (١ / ٥٥٩)
(٤) ينظر المصدر السابق.
(٥) أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» رقم (٤٤ ، ٤٥) من حديث ابن عمرو ابن عباس.
(٦) ينظر : «مفاتيح الغيب» للرازي (٩ / ١٢٦)
(٧) أخرجه مسلم (٣ / ١٥٢٠) كتاب «الإمارة» باب فضل الرباط في سبيل الله عزوجل ، حديث (١٦٣ / ١٩١٣) من حديث سلمان.