وقوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ...) الآية : معنى : (شَهِدَ اللهُ) : أعلم عباده بهذا الأمر الحقّ ، وقال ص : (شَهِدَ) ، بمعنى علم أو قضى ، أو حكم ، أو بيّن ، وهي أقوال اه.
وأسند أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب «فضل العلم» ؛ عن غالب القطّان ، قال : كنت أختلف إلى الأعمش ، فرأيته ليلة قام يتهجّد من الليل ، وقرأ بهذه الآية : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، فقلت للأعمش : إني سمعتك تقرأ هذه الآية تردّدها ، فما بلغك فيها؟ قال : حدّثني أبو وائل ، عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قال : يجاء بصاحبها يوم القيامة ، فيقول الله سبحانه : عبدي عهد إليّ ، وأنا أحقّ من وفّى بالعهد ، أدخلوا عبدي / الجنّة» (١). ا ه.
وقرأ جميع القرّاء «أنّه» ؛ بفتح الهمزة ؛ وبكسرها من قوله : (إِنَّ الدِّينَ) ؛ على استئناف الكلام ، وقرأ الكسائيّ وحده : «أنّ الدّين» ؛ بفتح الهمزة بدلا من «أنّه» الأولى ، (وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) : عطف على اسم الله ، قال الفخر (٢) : المراد بأولي العلم هنا : الذين عرفوا الله بالدّلالة القطعيّة ؛ لأن الشهادة ، إنما تكون مقبولة ، إذا كان الإخبار مقرونا بالعلم ، وهذا يدلّ أنّ هذه الدرجة الشريفة ليست إلا للعلماء بالأصول ، وتكرّرت «لا إله إلا الله» هنا ، وفائدة هذا التكرير الإعلام بأنّ المسلم يجب أن يكون أبدا في تكرير هذه الكلمة ، فإنّ أشرف كلمة يذكرها الإنسان هي هذه الكلمة ، وإذا كان في أكثر الأوقات مشتغلا بذكرها ، وبتكريرها ، كان مشتغلا بأعظم أنواع العبادات ، فكان من التكرير في هذه الآية حضّ العباد على تكريرها. ا ه.
وصحّ في البخاريّ ، عنه صلىاللهعليهوسلم ؛ أنّه قال : «أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال :
__________________
(١) أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (٣ / ٣٢٥) ، وابن عدي في «الكامل» (٥ / ١٦٩٣ ـ ١٦٩٤). والخطيب في «تاريخه» (٧ / ١٩٣ ـ ١٩٤) ، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (٦٠٧). كلهم من طريق عمار بن عمر ، عن أبيه ، عن غالب القطان به.
وقال العقيلي في ترجمة عمار : لا يتابع على حديثه ، ولا يعرف إلا به.
وقال الذهبي في «الميزان» (٣ / ٣٣٠) : الآفة من عمر ؛ فإنه متهم بالوضع. وأقرّه الحافظ في «اللسان» (٤ / ٢٧٣)
(٢) ينظر : «مفاتيح الغيب» (٧ / ١٧٩)