موسى ، وبعد مضيّ ثلاثة قرون (١) ، وقيل : الآية توبيخ لنصارى نجران ، وسرعة الحساب : يحتمل أن يراد بها : مجيء القيامة والحساب ؛ إذ كل آت قريب ، ويحتمل أن يراد بسرعة الحساب : أنّ الله تعالى بإحاطته بكلّ شيء علما لا يحتاج إلى عدّ ولا فكرة ؛ قاله مجاهد (٢).
وقوله تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ...) الآية : الضمير في (حَاجُّوكَ) لليهود ، ولنصارى نجران ، والمعنى : إن جادلوك وتعنّتوا بالأقاويل المزوّرة والمغالطات ، فأسند إلى ما كلّفت من الإيمان ، والتبليغ ، وعلى الله نصرك.
وقوله : (وَجْهِيَ) : يحتمل أن يراد به المقصد ، أي : جعلت مقصدي لله ، ويحتمل أن يراد به الذات ، أي : أسلمت شخصي وذاتي لله ، وأسلمت ؛ في هذا الموضع بمعنى : دفعت ، وأمضيت ، وليست بمعنى دخلت في السّلم ؛ / لأنّ تلك لا تتعدّى ، ومن اتّبعني : في موضع رفع ؛ عطفا على الضمير في «أسلمت» ، والّذين أوتوا الكتاب ، في هذا الموضع : يجمع اليهود والنصارى ؛ باتفاق ، والأميّون : الذين لا يكتبون ، وهم العرب في هذه الآية ، وقوله : (أَأَسْلَمْتُمْ) : تقرير في ضمنه الأمر ، وقال الزّجّاج : (أَأَسْلَمْتُمْ) : تهدّد ، وهو حسن ، و (الْبَلاغُ) : مصدر بلغ ؛ بتخفيف عين الفعل.
وفي قوله تعالى : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) وعد للمؤمنين ، ووعيد للكافرين.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٢٥)
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ ...) الآية : هذه الآية نزلت في اليهود
__________________
ـ التّيمي ، وسليمان الأعمش ، وابن المبارك ، قال أبو حاتم : صدوق ، قيل : توفي سنة تسع وثلاثين ومائة ، وقيل : سنة أربعين. ينظر : «الخلاصة» (١ / ٣١٨)
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢١٣) برقم (٦٧٦٥) ، وذكره ابن عطية (١ / ٤١٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٢) وعزاه لابن جرير.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢١٤) برقم (٦٧٦٨) بنحوه.