آمن ، فلما سمع عبد الملك بن مروان (١) منه هذا الكلام ؛ بكى حتّى بلّ ثيابه ، ثم قال له : اتل عليّ ، يا منصور ، شيئا من كتاب الله ، فتلا عليه : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ...) الآية ، فقال عبد الملك : قتلتني ، يا منصور ، ثمّ غشي عليه. ا ه.
وقوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي ...) الآية : قال الشيخ العارف بالله ابن أبي جمرة (رضي الله عنه) : من علامة السعادة للشخص : أن يكون معتنيا بمعرفة السّنّة في جميع تصرّفاته ، والذي يكون كذلك هو دائم في عبادة ؛ في كلّ حركاته وسكناته ، وهذا هو طريق أهل الفضل ؛ حتّى حكي عن بعضهم ؛ أنه لم يأكل البطّيخ سنين ؛ لمّا لم يبلغه كيفيّة السّنّة في أكله ، وكيف لا ، والله سبحانه يقول : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) والاتباعية الكاملة إنما تصحّ بأن تكون عامّة في كلّ الأشياء ، يعني : إلا ما خصّصه به الدليل ، جعلنا الله من أهلها في الدّارين. انتهى.
قال ع (٢) : قال الحسن بن أبي الحسن ، وابن جريج : إنّ قوما على عهد النبيّ صلىاللهعليهوسلم قالوا : يا محمّد ، إنّا نحبّ ربّنا ، فنزلت هذه الآية ، وقيل : أمر صلىاللهعليهوسلم أن يقول هذا القول لنصارى نجران.
قال ع (٣) : ويحتمل أن تكون الآية عامّة لأهل الكتاب اليهود والنصارى ؛ لأنهم كانوا يدّعون أنّهم يحبّون الله ، ويحبهم.
قال عياض : اعلم أنّ من أحبّ شيئا ، آثره ، وآثر موافقته ، وإلا لم يكن صادقا في حبّه ، وكان مدّعيا ، فالصادق في حبّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، من تظهر علامات ذلك عليه ، وأولها الاقتداء به ، واتباع سنّته ، واتباع أقواله وأفعاله ، والتأدّب بآدابه في عسره ويسره ؛ قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي ...) الآية ، قال عياض : روي في الحديث ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ أنّه قال : «من استمسك بحديثي ، وفهمه وحفظه ، جاء مع القرآن ، ومن
__________________
ـ ينظر : «التاريخ الكبير» (٧ / ٣٥٠) ، و «طبقات الصوفية» (١٣٠ ، ١٣٦) ، و «السير» (٩ / ٩٣ ـ ٩٤) ، و «النجوم الزاهرة» (٢ / ٢٤٤)
(١) عبد الملك بن مروان بن الحكم ، الأموي ، القرشي ، أبو الوليد : من أعاظم الخلفاء ودهاتهم ، نشأ في «المدينة» فقيها واسع العلم ، متعبدا ، ناسكا ، وشهد يوم الدار مع أبيه ، نقش خاتمه «آمنت بالله مخلصا» توفي ب «دمشق» سنة ٨٦ ه. انظر : «ابن الأثير» (٤ / ١٩٨) ، و «الطبري» (٨ / ٥٦) ، و «الأعلام» (٤ / ١٦٥)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٢١ ـ ٤٢٢)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٢٢)