الحسن ، والحسين ، ومحمّدا ، فقال : أوصيكم بتقوى الله في الغيب والشهادة ، وكلمة الحقّ في الرضا والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، والعدل على الصديق والعدوّ ، والعمل في النشاط والكسل ، والرضا عن الله في الشدّة والرخاء ؛ يا بنيّ ، ما شرّ بعده الجنّة بشرّ ، ولا خير بعده النّار بخير ، وكلّ نعيم دون الجنّة حقير ، وكلّ بلاء دون النّار عافية ، من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره ، ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته ، ومن سلّ سيف بغي قتل به ، ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها ، ومن هتك حجاب أخيه ، كشف الله عورات بنيه ، ومن نسي خطيئته ، استعظم خطيئة غيره ، ومن استغنى بعقله زلّ ، ومن تكبّر على الناس ذلّ ، ومن أعجب برأيه ضلّ. ومن جالس العلماء وقّر ، ومن خالط الأنذال احتقر ، ومن دخل مداخل السّوء اتّهم ، ومن مزح استخفّ به ، ومن أكثر من شيء عرف به ، ومن كثر كلامه كثر خطؤه ، ومن كثر خطؤه قل حياؤه ، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه ، ومن قلّ ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النار ، يا بنيّ ، الأدب خير ميراث ، وحسن الخلق خير قرين ، يا بنيّ ، العافية عشرة أجزاء : تسعة منها في الصّمت إلّا عن ذكر الله ، وواحد في ترك مجالسة السّفهاء ، يا بنيّ ، زينة الفقر الصّبر ، وزينة الغنى الشّكر ، يا بنيّ ، لا شرف أعزّ من الإسلام ، ولا كرم أعزّ من التقوى ، يا بنيّ ، الحرص مفتاح البغي ، ومطيّة النّصب ، طوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه ، وحبّه وبغضه ، وأخذه وتركه ، وكلامه وصمته ، وقوله وفعله. انتهى.
والوكيل : القائم بالأمور ، المنفّذ فيها ما رآه ، وقوله : (أَيُّهَا النَّاسُ) : مخاطبة للحاضرين من العرب ، وتوقيف للسامعين ؛ لتحضر أذهانهم ، وقوله : (بِآخَرِينَ) يريد من نوعكم ، وتحتمل الآية أن تكون وعيدا لجميع بني آدم ، ويكون الآخرون من غير نوعهم ؛ كالملائكة ، وقول الطبريّ (١) : «هذا الوعيد والتوبيخ للشافعين والمخاصمين في قصّة بني أبيرق» ـ بعيد ، واللفظ إنما يظهر حسن رصفه بعمومه وانسحابه على العالم جملة ، أو العالم الحاضر.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)(١٣٥)
__________________
(١) ينظر الطبري (٤ / ٣١٨)