وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ ...) إلى آخر الآية : نزل في اليهود والنصارى ، وقد تقدّم بيان هذه المعاني.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ...) الآية : لما ذكر سبحانه أنّ المفرّقين بين الرسل هم الكافرون حقّا ، عقّب ذلك بذكر المؤمنين بالله ورسله جميعا ، وهم المؤمنون بمحمّد صلىاللهعليهوسلم ؛ ليصرّح بوعد هؤلاء ؛ كما صرّح بوعيد أولئك ، فبيّن الفرق بين المنزلتين.
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً)(١٥٤)
وقوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ ...) الآية : قال قتادة سألت اليهود النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يأتيهم بكتاب من عند الله خاصّ لليهود ، يأمرهم فيه بالايمان بمحمّد صلىاللهعليهوسلم (١) ونحوه عن ابن جريج (٢) ، وزاد : «إلى فلان ، وإلى فلان أنّك رسول الله» ، ثم قال سبحانه ؛ على جهة التسلية لنبيّه صلىاللهعليهوسلم : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) ، وفي الكلام محذوف يدلّ عليه المذكور ، تقديره : فلا تبال ، يا محمد ، من سؤالهم وتشطّطهم ؛ فإنها عادتهم ، وجمهور المتأوّلين على أنّ (جَهْرَةً) معمول ل (أَرِنَا) ، أي : حتى نراه جهارا ، أي : عيانا ، وأهل السّنّة معتقدون أنّ هؤلاء لم يسألوا محالا عقلا ، لكنّه محال من جهة الشّرع ؛ إذ قد أخبر تعالى على ألسنة / أنبيائه أنّه لا يرى سبحانه في هذه الدنيا ، والرؤية في الآخرة ثابتة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالخبر المتواتر ، وهي جائزة عقلا من غير تحديد ، ولا تكييف ولا تحيّز ؛ كما هو تعالى معلوم لا كالمعلومات ؛ كذلك هو مرئيّ ، لا كالمرئيّات سبحانه ؛ هذه حجّة أهل السنة ، وقولهم ، وقد تقدّم قصص القوم في «البقرة» ، وظلمهم : هو تعنّتهم وسؤالهم ما ليس لهم أن يسألوه.
وقوله تعالى : (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) : «ثمّ» : للترتيب في الأخبار ، لا في نفس الأمر ، التقدير ؛ ثم قد كان من أمرهم أن اتّخذوا العجل ، وذلك أنّ اتخاذ العجل كان عند أمر
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٤٦) برقم (١٠٧٧٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٢٢) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٤٦) برقم (١٠٧٧٦) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ١٣١)