الجعائل ، وكان عيسى قد انضوى إليه الحواريّون يسيرون معه ؛ حيث سار ، فلمّا كان في بعض الأوقات ، شعر بأمر عيسى ، فروي أنّ رجلا من اليهود جعل له جعل ، فما زال ينقر عنه ؛ حتى دلّ على مكانه ، فلما أحسّ عيسى وأصحابه بتلاحق الطّالبين بهم ، دخلوا بيتا بمرأى من بني إسرائيل ، فروي أنهم عدّوهم ثلاثة عشر ، وروي : ثمانية عشر ، وحصروا ليلا ، فروي أنّ عيسى فرق الحواريّين عن نفسه تلك الليلة ، ووجّههم إلى الآفاق ، وبقي هو ورجل معه ، فرفع عيسى ، وألقي شبهه على الرجل ، فصلب ذلك الرجل ، وروي أنّ الشّبه ألقي على اليهوديّ الذي دلّ عليه ، فصلب / ، وروي أنّ عيسى ـ عليهالسلام ـ لما أحيط بهم ، قال لأصحابه : أيّكم يلقى عليه شبهي ، فيقتل ، ويخلّص هؤلاء ، وهو رفيقي في الجنّة ، فقال سرجس : أنا ، فألقي عليه شبه عيسى ، وروي أنّ شبه عيسى ألقي على الجماعة كلّها ، فلما أخرجهم بنو إسرائيل ، نقصوا واحدا من العدّة ، فأخذوا واحدا ممّن عليه الشّبه حسب هذه الروايات التي ذكرناها ، فصلبوه ، وروي أنّ الملك والمتناولين لم يخف عليهم أمر رفع عيسى ، لما رأوه من نقصان العدّة ، واختلاط الأمر.
وقوله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ...) الآية : يعني اختلاف المحاولين لأخذه ؛ لأنهم حين فقدوا واحدا من العدد ، وتحدّث برفع عيسى ، اضطربوا ، واختلفوا ، لكن أجمعوا على صلب واحد من غير ثقة ، ولا يقين ، أنه هو.
وقوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) ، قال ابن عبّاس (١) وجماعة : المعنى : وما صحّ ظنّهم عندهم ، ولا تحقّقوه يقينا ، فالضمير في «قتلوه» عندهم عائد على الظّنّ ؛ كما تقول : ما قتلت هذا الأمر علما ، قلت : وعبارة السّدّيّ : «وما قتلوا أمره يقينا أنّ الرجل هو عيسى» (٢). انتهى من «مختصر الطّبريّ» ، وقال قوم : الضمير عائد على عيسى ، أخبر سبحانه أنهم ما قتلوه في الحقيقة جملة واحدة ، لا يقينا ولا شكّا ، لكن لما حصلت في ذلك الدعوى ، صار قتله عندهم مشكوكا فيه ، وقال قوم من أهل اللسان : الكلام تامّ في قوله : (وَما قَتَلُوهُ) ، و (يَقِيناً) : مصدر مؤكّد للنفي في قوله : (وَما قَتَلُوهُ) ، المعنى : نخبركم يقينا ، أو نقصّ عليكم يقينا ، أو أيقنوا بذلك يقينا.
وقال ص : بعد كلام : والظاهر أنّ الضمير في (قَتَلُوهُ) عائد إلى عيسى لتتّحد الضمائر ، و (يَقِيناً) : منصوب في موضع الحال من فاعل (قَتَلُوهُ) : أي : مستيقنين أنه
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٢ / ١٣٤)
(٢) ذكره ابن عطية (٢ / ١٣٤)