محذوف قامت صفته مقامه ، أي : وما أحد من أهل الكتاب ؛ كما حذف في قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] ، وقوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] أي : وما أحد منا ، وما أحد منكم ، قال الشيخ أبو حيّان (١) : (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) : جواب قسم محذوف ، والقسم وجوابه هو الخبر ، وكذلك أيضا (إِلَّا لَهُ مَقامٌ) و (إِلَّا وارِدُها) ، هما الخبر ، قال الزّجّاج : وحذف «أحد» مطلوب في كلّ نفي يدخله الاستثناء ؛ نحو : ما قام إلّا زيد ، أي : ما قام أحد إلّا زيد. انتهى.
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً)(١٦٢)
وقوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ...) الآية : (فَبِظُلْمٍ) : معطوف على قوله سبحانه : (فَبِما نَقْضِهِمْ) [النساء : ١٥٥] ، والطيّبات هنا : هي الشّحوم ، وبعض الذبائح ، والطّير والحوت ، وغير ذلك ، وقرأ ابن عباس (٢) : «طيّبات كانت أحلّت لهم».
(وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) : يحتمل أن يريد صدّهم في ذاتهم ، ويحتمل أن يريد صدّهم غيرهم ، (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا) ، هو الدرهم بالدرهمين إلى أجل ، ونحو ذلك ممّا هو مفسدة ، وقد نهوا عنه ، ثم استثنى سبحانه الراسخين في العلم منهم ؛ كعبد الله بن سلام ، ومخيريق ، ومن جرى مجراهم.
واختلف الناس في قوله سبحانه : (وَالْمُقِيمِينَ) ، وكيف خالف إعرابها إعراب ما تقدّم وما تأخّر.
فقال بعض نحاة البصرة والكوفة : إنما هذا من قطع النّعوت ، إذا كثرت على النصب ب «أعني» والرفع بعد ذلك ب «هم» ؛ وقال قوم : (وَالْمُقِيمِينَ) : عطف على «ما» في قوله : (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ، والمعنى : ويؤمنون بالمقيمين الصّلاة ، وهم الملائكة ، أو من تقدّم من الأنبياء ، وقال قوم : (وَالْمُقِيمِينَ) : عطف على الضمير في منهم ، وقال آخرون : بل على الكاف في قوله : (مِنْ قَبْلِكَ).
__________________
(١) ينظر : «البحر المحيط» (٣ / ٤٠٦)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ١٣٥) ، و «البحر المحيط» (٣ / ٤١١) ، و «الدر المصون» (٢ / ٤٦١)