وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ...) الآية : إشارة إلى نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، والبرهان : الحجة النّيّرة الواضحة الّتي تعطي اليقين التّامّ ، والنّور المبين : يعني القرآن ؛ لأنّ فيه بيان كلّ شيء ، وفي «صحيح مسلم» ، عن زيد بن أرقم ، قال : قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما فينا خطيبا ، فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه ، ووعظ وذكّر ، ثمّ قال : «أمّا بعد ، ألا أيّها النّاس ، فإنّما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربّي ، فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب الله ؛ فيه الهدى والنّور ، فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا» ، فحثّ على كتاب الله ، ورغّب فيه ، ثمّ قال : «وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله ؛ ثلاثا في أهل بيتي ...» (١) الحديث ، وفي رواية : «كتاب الله ؛ فيه الهدى والنّور من استمسك به ، وأخذ به ، كان على الهدى ، ومن أخطأه ، ضلّ» ، وفي رواية : «ألا وإنّي تارك فيكم ثقلين : أحدهما : كتاب الله ، وهو حبل الله ، من اتّبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على ضلالة». انتهى.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً)(١٧٥)
وقوله سبحانه : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ / وَاعْتَصَمُوا بِهِ) : أي : اعتصموا بالله ، ويحتمل : اعتصموا بالقرآن ؛ كما قال ـ عليهالسلام ـ : «القرآن حبل الله المتين ؛ من تمسّك به عصم» (٢) ، والرحمة والفضل : الجنّة ونعيمها ، و (يَهْدِيهِمْ) : معناه : إلى الفضل ، وهذه هداية طريق الجنان ؛ كما قال تعالى : (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ...) [محمد : ٥] الآية ؛ لأنّ هداية الإرشاد قد تقدّمت ، وتحصّلت حين آمنوا بالله واعتصموا بكتابه ، فيهديهم هنا بمعنى : يعرّفهم ، وباقي الآية بيّن.
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١٧٦)
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ١٨٧٣) ، كتاب «فضائل الصحابة» ، باب فضل علي بن أبي طالب ، حديث (٣٦ / ٢٤٠٨) ، وأحمد (٤ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧) ، والدارمي (٢ / ٤٣١ ـ ٤٣٢) ، كتاب «فضائل القرآن» ، باب فضل من قرأ القرآن ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (٤ / ٣٦٨) ، وابن أبي عاصم في «السنة» رقم (١٥٥٠ ، ١٥٥١) ، والطبراني في «الكبير» رقم (٥٠٢٦) ، والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٢٠٥ ـ بتحقيقنا)
(٢) تقدم في أول التفسير.