ومن قرأ «وأرجلكم» ـ بالخفض ـ ، فإنه أراد المسح على الخفّين (١) ؛ وهو أحد التأويلات في الآية. انتهى ، وهذا هو الذي صحّحه في «أحكامه».
والكلام في قوله : (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) كما تقدّم في قوله : (إِلَى الْمَرافِقِ) ، وفي «صحيح مسلم» وغيره عن عقبة بن عامر ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من مسلم يتوضّأ ، فيحسن وضوءه ، ثمّ يقوم ، فيصلّي ركعتين مقبلا عليهما بقلبه ووجهه ، إلّا وجبت له الجنّة» ، فقلت : ما أجود هذه؟ فقال عمر : الّتي قبلها أجود ، قال : «ما منكم من أحد يتوضّأ فيسبغ الوضوء ، ثمّ يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده
__________________
(١) المسح في اللغة إمرار اليد على الشيء تقول : مسحت الشيء بالماء مسحا إذا أمررت اليد عليه ، والمسح على الخفين شرعا إصابة البلة للخف الشرعي على وجه مخصوص ، فقولنا : «إصابة» يشمل ما لو كانت بيده بأن أمرّ يده وهي مبتلّة على الخف ، أو قطر الماء عليه منها ، أو وضعها عليه من غير إمرار ، وهي مبتلة ، أو غيرها كأن أصاب المطر الخفّ فابتلّ مع نية لابسه المسح بذلك.
وقولنا : «للخف الشرعي» يخرج إصابتها لغيره ، سواء كان ذلك الغير خفّا غير شرعي ، أو لم يكن خفّا. وقولنا : «على وجه مخصوص» إشارة إلى الكيفية والشروط والمدة ، وإلى النية ، ولو حكما بأن يقصد بمسحه رفع حدث الرجلين بدلا عن غسلهما ، فخرج ما لم يكن كذلك.
والخف لغة مجمع فرس البعير «والفرس للبعير كالحافر للفرس» وقد يكون للنعام ، سوّوا بينهما للتّشابه ، وجمعه : أخفاف كقفل وأقفال ، والخف أيضا واحد الخفاف التي تلبس ، وجمعه : خفاف ككتاب للفرق بينه وبين ما للبعير ، وفي «اللسان» أنه يجمع على خفاف وأخفاف أيضا ، ويقال : تخفّف الرجل إذا لبس الخفّ في رجليه. وخفّ الإنسان ما أصاب الأرض من باطن قدميه ، والخف أيضا القطعة الغليظة من الأرض.
وشرعا : السّاتر للقدمين إلى الكعبين من كل رجل من جلد ونحوه ، والمستوفي للشروط. هذا وعبر النووي بالخف وعبر شيخ الإسلام بالخفين وقال : هو أولى من تعبيره بالخف ، لأنه يوهم جواز المسح على خف رجل ، وغسل الأخرى ، وليس كذلك ، فكان الأولى أن يعبر بالخفين ، ويمكن أن يوجه تعبيره بالخف بأن «أل» فيه للجنس ، فيشمل ما لو كان له رجل واحدة لفقد الأخرى ، وما لو كان له رجلان فأكثر ، وكانت كلها أصلية ، أو كان بعضها زائدا ، أو اشتبه بالأصلي ، أو سامت به ، فيلبس كلّا منها خفّا ، ويمسح على الجميع.
وأما إذا لم يشتبه ، ولم يسامت ، فالعبرة بالأصلي دون الزائد ، فيلبس الأول خفّا دون الثاني ، إلا أن توقّف لبس الأصلي على الزائد ، فيلبسه أيضا. أو أنها للعهد الشرعي ، أي الخف المعهود شرعا وهو الاثنان. قال علي الشبراملي : وهذا الجواب أولى من الأول ؛ لأنه لا يدفع الإيهام ؛ لأن الجنس كما يتحقق في ضمن الكل ، كذلك يتحقق في ضمن واحدة منهما. أما تعبير شيخ الإسلام بالخفين فإنه يرد عليه أيضا أنه لا يشمل الخف الواحد فيما لو فقدت إحدى رجليه ، إلا أن يقال : إنه نظر للغالب وقال القليوبي : ويطلق الخفّ على الفردتين ، وعلى إحداهما. فعلى هذا استوت العبارتان.
ينظر : «المغرب» (٢ / ٢٦٦) ، و «لسان العرب» (٦ / ٤١٩٦) ، وينظر : «بدائع الصنائع» (١ / ٩٩) ، و «المدونة» (١ / ٤١) ، و «الأم» (١ / ٢٩) ، و «المغني» (١ / ٢٦٨) ، و «المحلى» (١ / ٩٢)