هي العفة بالفرج ، واليد ، واللّسان ، واحتمال العظائم ، وهنا هو الحلم وغيره من تحمّل الغرامات والإنقاذ من الهلكات ، وجبر الكسير ، والإفضال على المسترفد ، وانظر قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أنا سيّد ولد آدم ، ولا فخر» (١) ، وذكر حديث الشفاعة في إطلاق الموقف ، وذلك منه اعتمال في رضا ولد آدم ، ثم :
قال ع (٢) : أما أنه يحسن بالتقيّ العالم أن يأخذ من السؤدد بكلّ ما لا يخلّ بعلمه وتقاه ، وهكذا كان يحيى ـ عليهالسلام ـ.
وقوله تعالى : (وَحَصُوراً) أصل هذه اللفظة : الحبس والمنع ، ومنه : حصر العدو.
قال ع (٣) : وأجمع من يعتدّ بقوله من المفسّرين على أنّ هذه الصفة ليحيى ـ عليهالسلام ـ إنما هي الامتناع من وطء النّساء إلّا ما حكى مكّيّ من قول من قال : إنه الحصور عن الذنوب ، وذهب بعض العلماء إلى أنّ حصره كان بأنه يمسك نفسه ؛ تقى وجلدا في طاعة الله سبحانه ، وكانت به القدرة على جماع النساء ، قالوا : وهذه أمدح له ، قال الإمام الفخر (٤) : وهذا القول هو اختيار المحقّقين ؛ أنه لا يأتي النّساء ، لا للعجز ، بل للعصمة والزّهد.
قلت : قال عياض : اعلم أنّ ثناء الله تعالى على يحيى ـ عليهالسلام ـ ؛ بأنه حصور ، ليس كما قال بعضهم : إنه كان هيوبا (٥) أو لا ذكر له ، بل قد أنكر هذا حذّاق المفسّرين ، ونقّاد العلماء ، وقالوا : هذه نقيصة وعيب ، ولا تليق بالأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ، وإنما معناه : معصوم من الذّنوب ، أي : لا يأتيها ؛ كأنه حصر عنها (٦) ، وقيل : مانعا نفسه من الشهوات ، وقيل : ليست له شهوة في النساء ؛ كفاية من الله له ؛ لكونها مشغلة في كثير من
__________________
(١) نقدم تخريجه.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٣٠)
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : «مفاتيح الغيب» (٨ / ٣٣)
(٥) الهيوب : الجبان الذي يهاب الناس ، والمقصود هنا أنه كان يهاب من إتيان النساء ، وهذا لا يليق بأنبياء الله سبحانه ، كما علق القاضي عياض.
ويقال أيضا : الهيوب : المحجم عن الشيء ، وهذا أيضا مما لا يليق وصفه الأنبياء به. ينظر «لسان العرب» (هيب) (حصر)
(٦) حصر عنها : منع.