الله عليهم بقوله : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) قال ابن عبّاس وغيره : في الكلام حذف (١) ، تقديره : ولو أنزلنا ملكا ، فكذبوه لقضي الأمر بعذابهم ، ولم ينظروا حسبما سلف في كل أمة اقترحت بآية ، وكذبت بعد أن أظهرت إليها.
وقالت فرقة : (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي : لماتوا من هول رؤية الملك في صورته ، ويؤيد هذا التّأويل ما بعده من قوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) فإن أهل التأويل مجمعون أن ذلك ؛ لأنهم لم يكونوا يطيقون رؤية الملك في صورته ، فإذ قد تقعّد أنهم لا يطيقون رؤية الملك في صورته ، فالأولى في قوله : (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي : لماتوا ؛ لهول رؤيته ، (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) ، أي : لا يؤخّرون.
ومما يؤيد هذا المعنى الحديث الوارد عن الرجلين اللذين صعدا على الجبل يوم بدر ليريا ما يكون في حرب النبيّ صلىاللهعليهوسلم للمشركين ، فسمعا حسّ الملائكة ، وقائلا يقول في السحاب : أقدم حيزوم ، فانكشف قناع قلب أحدهما ، فمات لهول ذلك ، فكيف برؤية ملك في خلقته.
(وَلَلَبَسْنا) أي : لفعلنا لهم / في ذلك فعلا ملبسا يطرق لهم إلى أن يلبسوا به ، وذلك لا يحسن.
قلت : وفي البخاري (٢) : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) : لشبهنا.
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(١٢)
وقوله سبحانه : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) الآية تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم بالأسوة في الرسل ، وتقوية لنفسه على محاجّة المشركين ، وإخبار يتضمّن وعيد مكذّبيه ، والمستهزئين به.
و (فَحاقَ) معناه : نزل ، وأحاط ، وهي مخصوصة في الشر ؛ يقال : حاق يحيق حيقا.
وقوله سبحانه : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) حضّ على الاعتبار بآثار من مضى ممن
__________________
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ٢٧٠)
(٢) ينظر : صحيح البخاري (٨ / ١٣٦) كتاب «التفسير» ، باب سورة الأنعام.