وقيل : القرن الزمن نفسه ، وهو على حذف مضاف ، تقديره : من أهل قرن. قال عياض في «الإكمال» : واختلف في لفظ القرن ، وذكر الحربي (١) فيه الاختلاف من عشر سنين إلى مائة وعشرين ، ثم قال يعني الحربي : وليس منه شيء واضح ، وأرى القرن كلّ أمة هلكت ، فلم يبق منها أحد. انتهى.
والضمير في (مَكَّنَّاهُمْ) عائد على القرن ، والمخاطبة في (لَكُمْ) هي للمؤمنين ، ولجميع المعاصرين لهم من سائر الناس ، و (السَّماءَ) هنا المطر ، و (مِدْراراً) بناء تكثير ، ومعناه : يدرّ عليهم بحسب المنفعة.
وقوله سبحانه : (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ).
(أَنْشَأْنا) : اخترعنا ، وخلقنا ، ويظهر من الآية أن القرن إنما هو وفاة الأشياخ ، ثم ولادة الأطفال.
(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ)(٩)
وقوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) الآية.
لما أخبر عنهم ـ سبحانه ـ بأنهم كذبوا بكل ما جاءهم من آية أتبع ذلك بإخبار فيه مبالغة ، والمعنى : ولو نزلنا بمرأى منهم عليك كتابا أي : كلاما مكتوبا في قرطاس ، أي : في صحيفة.
(فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) يريد : أنهم بالغوا في ميزه وتقليبه ؛ ليرتفع كل ارتياب لعاندوا فيه ، وتابعوا كفرهم وقالوا : هذا سحر مبين.
وقوله سبحانه : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) أي : يصدّق محمدا في نبوءته ، ثم ردّ
__________________
(١) إبراهيم بن إسحاق بن بشير بن عبد الله البغدادي الحربي ، أبو إسحاق ، من أعلام المحدثين. أصله من مرو ، واشتهر وتوفي ببغداد ، ونسبته إلى محلة فيها. كان حافظا للحديث عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام ، قيما بالأدب ، زاهدا ، أرسل إليه المعتضد ألف دينار فردها. تفقه على الإمام أحمد ، وصنف كتبا كثيرة منها «غريب الحديث» و «سجود القرآن» و «الهدايا والسنة فيها» و «الحمام وآدابه» و «دلائل النبوة» وكان عنده اثنا عشر ألف جزء ، في اللغة وغريب الحديث ، كتبها بخطه.
ينظر : «الأعلام» (١ / ٣٢) ، «تذكرة الحفاظ» (٢ / ١٤٧) ، و «إرشاد الأريب» (١ / ٣٧) ، و «صفوة الصفوة» (٢ / ٢٢٨)