الأرض ، كما تقول : زيد السلطان في المشرق والمغرب و «الشام» و «العراق» ، فلو قصدت ذات زيد لقلت محالا ، وإذا كان مقصد قولك الآمر ، النّاهي ، الناقض ، المبرم ، الذي يعزل ويولّي في المشرق والمغرب ، فأقمت السلطان مقام هذه ، كان فصيحا صحيحا ، فكذلك في الآية أقام لفظة (اللهُ) مقام تلك الصّفات المذكورة.
وقالت فرقة : (وَهُوَ اللهُ) ابتداء وخبر ، تم الكلام عنده ، ثم استأنف ، وتعلق قوله : (فِي السَّماواتِ) بمفعول (يَعْلَمُ) ، كأنه قال : وهو الله يعلم سرّكم وجهركم في السموات ، وفي الأرض.
وقوله تعالى : (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) خبر في ضمنه تحذير وزجر ، و (تَكْسِبُونَ) لفظ / عام لجميع الاعتقادات ، والأقوال ، والأفعال.
وقوله سبحانه : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) تضمنت هذه الآية مذمّة هؤلاء الذين يعدلون بالله سواه ، بأنهم يعرضون عن كل آية ، وكذبوا بالحق ، وهو محمد ـ عليهالسلام ـ وما جاء به.
قال ص : (مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) «من» الأولى زائدة للاستغراق ، وما بعدها فاعل بقوله : (تَأْتِيهِمْ).
و «من» الثانية للتبعيض انتهى.
وقوله تعالى : (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) هذا وعيد لهم شديد ، وهذه العقوبات التي توعّدوا بها تعمّ عقوبات الدنيا كبدر وغيرها ، وعقوبات الآخرة.
وقوله سبحانه : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) هذا حضّ على العبرة ، والرؤية هنا رؤية القلب ، والقرن : الأمة المقترنة في مدّة من الزمن.
واختلف في مدة القرن (١) كم هي؟
فالأكثر على أنها مائة سنة.
وقيل غير هذا.
__________________
(١) ينظر هذا الاختلاف في «لسان العرب» (٣٦٠٩) (قرن)