الأول : أنّ هذه الحيلة كانت مخفيّة فيما بينهم ، فلما أخبر بها عنهم ، كان إخبارا بمغيّب ، فيكون معجزا.
الثاني : أنه تعالى ، لما أطلع المؤمنين على تواطئهم على هذه الحيلة ، لم يحصل لهذه الحيلة أثر في قلوب المؤمنين ، ولو لا هذا الإعلام ، لأمكن تأثيرها في قلب من ضعف إيمانه.
الثالث : أنّ القوم لما افتضحوا في هذه الحيلة ، صار ذلك رادعا لهم عن الإقدام على أمثالها من الحيل والتّلبيس ا ه.
وذكر تعالى عن هذه الطائفة من أهل الكتاب ؛ أنهم قالوا : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) ، ولا خلاف أن هذا القول هو من كلام الطائفة ، واختلف النّاس في قوله تعالى : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) ، فقال مجاهد وغيره من أهل التأويل : الكلام كلّه من قول الطائفة لأتباعهم (١).
وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) اعتراض بين الكلامين ؛ قال ع (٢) : والكلام على هذا التأويل يحتمل معاني :
أحدها : ولا تصدّقوا وتؤمنوا إلّا لمن جاء بمثل دينكم ؛ حذارا أن يؤتى أحد من النبوّة والكرامة مثل ما أوتيتم ، وحذارا أن يحاجّوكم بتصديقكم إيّاهم عند ربّكم ، إذا لم تستمرّوا عليه ، وهذا القول على هذا المعنى ثمرة الحسد والكفر ، مع المعرفة بصحّة نبوّة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، ويحتمل الكلام أن يكون معناه : ولا تؤمنوا بمحمّد ، وتقرّوا بنبوّته ؛ إذ قد علمتم صحّتها إلا لليهود الّذين هم منكم ، و (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) : صفة لحال محمّد صلىاللهعليهوسلم ، فالمعنى : تستّروا بإقراركم أن قد أوتي مثل ما أوتيتم ، أو فإنهم (يعنون العرب) يحاجّونكم بالإقرار عند ربّكم.
وقرأ ابن كثير وحده من بين السبعة : «آن يؤتى» ؛ بالمد : على جهة الاستفهام الّذي هو تقرير (٣) ، وفسر أبو عليّ قراءة ابن كثير على أنّ الكلام كلّه من قول الطائفة إلّا
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣١١) برقم (٧٢٤٢) عن قتادة قال : هذا قول بعضهم لبعض. وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٥٤)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٥٤)
(٣) قال الأزهري : ومن قرأ بالمد فهو استفهام معناه الإنكار ، وذلك أن أحبار اليهود قالوا لذويهم : أيؤتى أحد مثل ما أوتيتم؟ أي : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. ـ