قال ص : ونوقش ابن عطيّة بأنّ «عبدّى» : اسم جمع ، وتفريقه بين عباد وعبيد لا يصحّ. اه.
قلت : وقوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ) [الفرقان : ١٧] ونحوه يوضّحه. اه.
ومعنى الآية : ما كان لأحد من النّاس أن يقول : اعبدوني ، واجعلوني إلها ، قال النّقّاش وغيره : وهذه الإشارة إلى عيسى ـ عليهالسلام ـ ، والآية رادّة على النصارى ، وقال ابن عبّاس وجماعة من المفسّرين : بل الإشارة إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ وسبب نزول الآية أنّ أبا رافع القرظيّ قال للنبيّ صلىاللهعليهوسلم حين اجتمعت الأحبار من يهود ، والوفد من نصارى نجران : يا محمّد ، إنّما تريد أن نعبدك ونتّخذك إلها ، كما عبدت النّصارى عيسى ، فقال الرّئيس من نصارى نجران : أو ذاك تريد يا محمّد ، وإليه تدعونا؟ فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «معاذ الله! ما بذلك أمرت ، ولا إليه دعوت» ، فنزلت الآية ، قال بعض العلماء : أرادت الأحبار أن تلزم هذا القول محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، لمّا تلا عليهم : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) [آل عمران : ٣١] وإنّما معنى الآية : فاتّبعوني فيما أدعوكم إليه من طاعة الله ، فحرّفوها بتأوّلهم ، وهذا من نوع ليّهم الكتاب بألسنتهم ، قال الفخر (١) وقال ابن عبّاس : إن الآية نزلت بسبب قول النّصارى : المسيح ابن الله ، وقول اليهود : عزير ابن الله (٢) وقيل : إن رجلا من المسلمين قال : يا رسول الله ، أفلا نسجد لك؟ فقال ـ عليهالسلام ـ : «ما ينبغي السّجود إلّا لله» (٣). قيل : وقوله تعالى : (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) يقوّي هذا التأويل. ا ه.
وقوله تعالى : (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ...) الآية : المعنى : ولكن يقول : كونوا ربانيّين ، وهو جمع ربّانيّ ، قال قوم : منسوب إلى الرّبّ ؛ من حيث هو عالم ما علمه ، عامل بطاعته ، معلّم للناس ما أمر به ، وزيدت فيه النّون ؛ مبالغة ، وقال قوم : منسوب إلى الرّبّان ، وهو معلّم الناس ، مأخوذ من : ربّ يربّ ، إذا أصلح ، وربّى ، والنّون أيضا زائدة ؛
__________________
(١) ينظر : «مفاتيح الغيب» (٨ / ٩٦)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٢٣) برقم (٧٢٩٤) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٣٢٠) ، وابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٦٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (١ / ٣٧٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٨٢) ، وعزاه لابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «الدلائل» عن ابن عباس.
(٣) أخرجه ابن حبان (١٢٩١ ـ موارد) بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة.
وأخرجه الترمذي (١١٥٩) ، والبيهقي (٧ / ٢٩١) ، مختصرا.