أخذ الله ميثاق النّبيّين على قومهم ، فهو أخذ لميثاق الجميع (١) ، وقال عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) : لم يبعث الله نبيّا آدم فمن بعده ، إلا أخذ عليه العهد في محمّد صلىاللهعليهوسلم : لئن بعث ، وهو حيّ ، ليؤمننّ به ، ولينصرنّه (٢) ، وأمره بأخذه على قومه ، ثم تلا هذه الآية ، وقاله السّدّيّ (٣).
وقرأ حمزة : «لما» ؛ بكسر اللام (٤) ، وهي لام الجرّ ، والتقدير لأجل ما آتيناكم ؛ إذ أنتم القادة والرءوس ، ومن كان بهذه الحال ، فهو الذي يؤخذ ميثاقه ، و «ما» في هذه القراءة بمعنى «الّذي» ، والعائد إليها من الصّلة ، تقديره : آتيناكموه ، و «من» : لبيان الجنس ، و (ثُمَّ جاءَكُمْ ...) الآية : جملة معطوفة على الصّلة ، ولا بدّ في هذه الجملة من ضمير يعود على الموصول ، وإنما حذف ؛ تخفيفا لطول الكلام ، وتقديره عند سيبويه : رسول به مصدّق لما معكم ، واللام في : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) هي اللام المتلقّية للقسم الذي تضمّنه أخذ الميثاق ، وفصل بين القسم والمقسم عليه بالجارّ والمجرور ، وذلك جائز ، وقرأ سائر السّبعة «لما» ؛ بفتح اللام ، وذلك يتخرّج على وجهين :
أحدهما : أن تكون «ما» موصولة في موضع رفع بالابتداء ، واللّام لام الابتداء ، وهي متلقّية لما أجري مجرى القسم من قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) ، وخبر الابتداء قوله : (لَتُؤْمِنُنَ) ، ولتؤمننّ : متعلّق بقسم محذوف ، فالمعنى : والله ، لتؤمننّ ، قاله أبو عليّ (٥) وهو متّجه ؛ بأنّ الحلف يقع مرّتين.
والوجه الثاني : أن تكون «ما» للجزاء شرطا ، فتكون في موضع نصب بالفعل الذي
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٣٠) برقم (٧٣٢٤) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١ / ٤٠٦) ، والبغوي في «تفسيره» (١ / ٣٢٢) ، وابن عطية (١ / ٤٦٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٨٤) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٣٠) برقم (٧٣٢٦) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» بنحوه (١ / ٤٠٦) ، والبغوي في «تفسيره» (١ / ٣٢٢) ، وابن عطية (١ / ٤٦٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٨٤)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٣٠) برقم (٧٣٢٩) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١ / ٤٠٦) ، وابن عطية (١ / ٤٦٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٨٤) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.
(٤) ينظر : «السبعة» (٢١٣) ، و «الكشف» (١ / ٣٥١) ، و «الحجة» (٣ / ٦٢) ، و «إعراب القراءات» (١ / ١١٦) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ١٦١) ، و «معاني القراءات» (٢٦٥) ، و «شرح شعلة» (٣٢٠) ، و «إتحاف» (١ / ٤٨٣) ، و «العنوان» (٨٠).
(٥) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٦٤)