وقال ع (١) : فتأمّل أنّ القول الأول هو إيداع الشهادة واستحفاظها ، والقول الثّاني هو الأمر بأدائها ، وحكم تعالى بالفسق على من تولّى من الأمم بعد هذا الميثاق ، قاله عليّ بن أبي طالب ، وغيره (٢) ، وقرأ أبو عمرو : «يبغون» ؛ بالياء من أسفل مفتوحة (٣) ، و «ترجعون» بالتّاء من فوق مضمومة ، وقرأ عاصم بالياء من أسفل فيهما ، وقرأ الباقون بالتّاء فيهما ، ووجوه هذه القراءات لا تخفى بأدنى تأمّل.
وتبغون : معناه : تطلبون.
قال النوويّ : وروّينا في كتاب ابن السّنّيّ ، عن السّيّد الجليل المجمع على جلالته وحفظه وديانته وورعه يونس بن عبيد بن دينار البصريّ الشّافعيّ المشهور (٤) ؛ أنه قال : ليس رجل يكون على دابّة صعبة ، فيقول في أذنها : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ، إلا وقفت بإذن الله تعالى.
وروّينا في كتاب ابن السّنّيّ ، عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ أنّه قال : «إذا انفلتت دابّة أحدكم بأرض فلاة ، فليناد : يا عباد الله ، احبسوا ، يا عباد الله ، احبسوا ، فإنّ لله عزوجل في الأرض حاضرا سيحبسها (٥).
قال النّوويّ (٦) : حكى لي بعض شيوخنا ؛ أنّه انفلتت له دابّة أظنّها بغلة ، وكان يعرف
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٦٦)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٣٣٣) برقم (٧٣٣٧) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٦٦)
(٣) وهي رواية حفص عن عاصم ، وحجتهما أن الخطاب قد انقضى بالفصل بينه وبين ذلك بقوله : (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ ...) الآية ، ثم إن المعنى حينئذ : اليهود.
ينظر : «السبعة» (٢١٤) ، و «الكشف» (١ / ٢٥٣) ، و «العنوان» (٨٠) ، و «الحجة للقراء السبعة» (٣ / ٦٩) ، و «حجة القراءات» (١٧٠) ، و «شرح شعلة» (٣٢٠) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ١٦٢) ، و «إتحاف» (١ / ٤٨٤) ، و «معاني القراءات» (١ / ٢٦٧)
(٤) يونس بن عبيد بن دينار الإمام القدوة ، الحجة ، أبو عبد الله العبدي ، مولاهم البصري ، من صغار التابعين وفضلائهم.
رأى أنس بن مالك ، وحدث عن الحسن ، وابن سيرين ، وعطاء ، وعكرمة ، قال علي بن المديني : له نحو مائتي حديث ، وقال ابن سعد : كان ثقة ، كثير الحديث ، وقال أحمد وابن معين والناس : ثقة.
ينظر : «السير» (٦ / ٢٨٨) ، «طبقات ابن سعد» (٧ / ٢٦٠) ، «الكامل» (٥ / ٤٨٧) ، «حلية الأولياء» (٣ / ١٥ ـ ٢٧)
(٥) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» ، حديث (٥٤٢)
(٦) ينظر : «حلية الأبرار» (ص ٢٥٧)