رأى النبي صلىاللهعليهوسلم وكلمه وقال أنس بن مالك لما نزلت هذه الآية كتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى كسرى وقيصر وكل جبار يدعوهم إلى الله عزوجل (خ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».
(شرح ما يتعلق بهذا الحديث)
فيه الأمر بإبلاغ ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم إلى من بعده من قرآن وسنة وقوله وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج الحرج الضيق والإثم ومعنى الحديث أنه مهما قلتم عن بني إسرائيل فإنهم كانوا في حال أكثر مما قلتم وأوسع وليس هذا فيه إباحة الكذب والإخبار عن بني إسرائيل لكن معناه الرخصة في الحديث عنهم على بعض البلاغ وإن لم يتحقق ذلك بنقل لأنه أمر قد تعذر لبعد المسافة وطول المدة عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «نضر الله أمرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى له من سامع» أخرجه الترمذي وله عن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه» عن ابن عباس قال «تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم» أخرجه أبو داود موقوفا.
وقوله تعالى : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) يعني قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين جحدوا نبوتك واتخذوا آلهة غيري إنكم أيها المشركون لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى يعني الأصنام التي كانوا يعبدونها وإنما قال أخرى لأن الجمع يلحقه التأنيث كما قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) ولم يقل الأول ولا الأولين (قُلْ لا أَشْهَدُ) يعني قل يا محمد لهؤلاء المشركين لا أشهد بما تشهدون به أن مع الله آلهة أخرى بل أجحد ذلك وأنكره (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) يعني قل لهم إنما الله إله واحد ومعبود واحد لا شريك له وبذلك أشهد (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) يعني وأنا بريء من كل شيء تعبدونه سوى الله وفي هذه الآية دليل على إثبات التوحيد لله عزوجل وإبطال كل معبود سواه لأن كلمة إنما تفيد الحصر ولفظة الواحد صريح في التوحيد ونفي الشريك فثبت بذلك إيجاب التوحيد وسلب كل شريك والتبرؤ من كل معبود سوى الله تعالى قال العلماء يستحب لكل من أسلم أن يأتي بالشهادتين ويبرأ من كل دين خالف الإسلام لقوله تعالى : (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).
قوله عزوجل : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) المراد بالذين أوتوا الكتاب علماء اليهود والنصارى الذين كانوا في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذلك أن كفّار مكة لما قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم إنا سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر وأنكروا معرفته بين الله عزوجل أن شهادته له كافية على صحة نبوته وبين في هذه الآية أنهم يعرفونه وأنهم كذبوا في قولهم إنهم لا يعرفونه. وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما قدم المدينة وأسلم عبد الله بن سلام قال له عمر بن الخطاب : إن الله عزوجل أنزل على نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم بمكة (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) فكيف هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام : يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ولأنا أشد معرفة بمحمد صلىاللهعليهوسلم مني بابني فقال عمر وكيف ذاك؟ قال أشهد أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حقا ولا أدري ما يصنع النساء. وقوله تعالى : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) يعني : أهلكوا أنفسهم وغبنوها وأوبقوها في نار جهنم بإنكارهم نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم. وفي الذين خسروا أنفسهم قولان : أحدهما : أنه صفة الذين الأولى ويكون المقصود من ذلك وعيد