وقيل : معناه إن أمر الدنيا والعمل لها لعب ولهو فأما فعل الخير والعمل الصالح فهو من فعل الآخرة وإن كان وقوعه في الدنيا وقيل معناه وما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو لأنه لا يجدي شيئا ولاشتغالهم عما أمروا به ونسبوا إلى اللعب وقوله تعالى : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) يعني الجنة واللام فيه لام القسم تقديره والله لدار الآخرة (خَيْرٌ) يعني من الدنيا وأفضل لأن الدنيا سريعة الزوال والانقطاع (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) يعني الشرك. وقيل : يتقون اللعب واللهو (أَفَلا تَعْقِلُونَ) إن الآخرة خير من الدنيا فيعملون لها.
قوله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) يعني قد نعلم يا محمد إنه ليحزنك الذي يقوله المشركون لك ، قال السدي : التقى الأخنس بن شريق أبو جهل بن هشام فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس هنا أحد يسمع كلامك غيري؟ فقال أبو جهل : والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فأنزل الله هذه الآية وقال ناجية بن كعب : قال أبو جهل للنبي صلىاللهعليهوسلم : ما نتهمك ولا نكذبك ولكنا نكذب الذي جئت به ، فأنزل الله هذه الآية. عن علي بن أبي طالب أن أبا جهل قال للنبي إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله فيهم (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) أخرجه الترمذي من طريقين وقال في أحدهما وهذا أصح ، ففي هذه الآية تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم وتعزية عما يواجهه به قومه لأنهم كانوا يعتقدون صدقه وأنه ليس بكذاب وإنما حملهم على تكذيبه في الظاهر الحسد والظلم : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) يعني أنهم لا يكذبونك في السر ، لأنهم قد عرفوا أنك صادق (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ) يعني الكافرين (بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) يعني في العلانية وذلك أنهم جحدوا القرآن بعد معرفة الصدق الذي أنزل عليه لعنادهم وكفرهم كما قال الله تعالى في حق غيرهم ، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا. وقيل : ظاهر الآية يدل على أنهم لم يكذبوا محمدا صلىاللهعليهوسلم وإنما جحدوا آيات الله وهي القرآن الدال على صدقه ، فعلى هذا يكون المعنى : فإنهم لا يكذبونك لأنهم قد عرفوا صدقك وإنما جحدوا آيات الله وهي القرآن الدال على صدقه فعلى هذا يكون المعنى فإنهم لا يكذبونك لأنهم قد عرفوا صدقك وإنما جحدوا صحة نبوتك ورسالتك ، قوله عزوجل :
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥))
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) يعني ولقد كذبت الأمم الخالية رسلهم كما كذبك قومك : (فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا) يعني أن الرسل عليهمالسلام صبروا على تكذيب قومهم إياهم وصبروا على أذاهم ، فاصبر أنت يا محمد على تكذيب قومك وأذاهم لك كما صبر من كان قبلك من الرسل وهذا فيه تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم وإزالة حزنه على تكذيب قومه له وأذاهم إياه (حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) يعني بإهلاك من كذبهم (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) يعني ولا ناقض لما حكم الله به من إهلاك المكذبين ونصر المسلمين كما قال (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) وقال الله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) ولا خلف فيما وعد الله به.
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) يعني ولقد أنزلت عليك في القرآن من أخبار المرسلين ما فيه تسلية لك وتسكين لقلبك. وقال الأخفش : من هنا صلة كما تقول أصابنا من مطر وقال غيره بل هي للتبعيض لأن الواصل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قصص بعض الأنبياء وأخبارهم كما قال تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ).