أردت إلا الخير ، نزلت وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم (كَتَبَ رَبُّكُمْ) يعني فرض ربكم وقضى ربكم (عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) وهذا يفيد الوجوب وسبب هذا أنه تعالى يتصرف في عباده كيف يشاء وأراد فأوجب على نفسه الرحمة على سبيل الفضل والكرم لأنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) قال مجاهد : كل من عمل ذنبا أو خطيئة فهو بها جاهل واختلفوا في سبب هذا الجهل فقيل لأنه جاهل بمقدار ما استحقه من العقاب وما فاته من الثواب. وقيل إنه وإن علم أن عاقبة ذلك السوء والفعل القبيح مذمومة إلا أنه آثر اللذة العاجلة على الخير الكثير الآجل ومن آثر القليل على الكثير فهو جاهل وقيل إنه لما فعل فعل الجهال نسب إلى الجهل وإن لم يكن جاهلا : (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ) يعني من بعد ارتكابه ذلك السوء ورجع عنه (وَأَصْلَحَ) يعني أصلح العمل في المستقبل ، وقيل أخلص توبته وندم على فعله (فَأَنَّهُ غَفُورٌ) يعني لمن تاب من ذنوبه (رَحِيمٌ) بعباده قال خالد بن دينار كنا إذا دخلنا على أبي العالية قال : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) الآية. عن أبي سعيد الخدري قال : جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري وقارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقام علينا فلما قام علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم سكت القارئ فسلم ثم قال ما كنتم تصنعون؟ قلنا : يا رسول الله كان قارئ لنا يقرأ علينا وكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم» وجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسطنا ليعدل بنفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتلحقوا وبرزت وجوههم ، قال فما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عرف منهم أحدا غيري. ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك خمسمائة عام أخرجه أبو داود.
(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧))
وقوله عزوجل : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) يعني وكما فصلنا لك يا محمد في هذه السورة دلائلنا على صحة التوحيد وإبطال ما هم عليه من الشرك كذلك نميز ونبين لك أدلة حججنا وبراهيننا على تقرير كل حق ينكره أهل الباطل (وَلِتَسْتَبِينَ) قرأ بالتاء على الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم يعني وليظهر لك الحق يا محمد ويتبين لك (سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) يعني طريق هؤلاء المجرمين وقرأ بالياء على الغيبة ومعناه ليظهر ويتضح سبيل المجرمين يوم القيامة إذا صاروا إلى النار.
قوله تعالى : (قُلْ) أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين (إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني نهيت أن أعبد الأصنام التي تعبدونها أنتم من دون الله وقيل تدعونها عند شدائدكم من دون الله لأن الجمادات أخس من أن تعبد أو تدعى وإنما كانوا يعبدونها على سبيل الهوى وهو قوله تعالى (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) يعني في عبادة الأصنام وطرد الفقراء (قَدْ ضَلَلْتُ) يعني : (إِذاً) عبدتها (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) يعني لو عبدتها (قُلْ) يعني قل يا محمد لهؤلاء المشركين (إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) قال ابن عباس : يعني على يقين من ربي ، وقيل : البيّنة الدلالة التي تفصل بين الحق والباطل والمعنى : إني على بيان وبصيرة في عبادة ربي (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) يعني وكذبتم بالبيان الذي جئت به من عند ربي وهو القرآن والمعجزات الباهرات والبراهين الواضحات التي تدل على صحة التوحيد وفساد الشرك (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) يعني العذاب ، وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم وكانوا يستعجلون به استهزاء وكانوا يقولون : يا محمد ائتنا بما تعدنا يعني من نزول