الله الذي أنزله : (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) يعني : دعهم يا محمد فيما هم فيه يخوضون من باطلهم وكفرهم بالله. ومعنى يلعبون : يستهزءون ويسخرون. وقيل : معناه يا محمد إنك إذا أقمت الحجة عليهم وبلغت في الأعذار والإنذار هذا المبلغ العظيم فحينئذ لم يبق عليك من أمرهم شيء فذرهم فيما هم فيه من الخوض واللعب وفيه وعيد وتهديد للمشركين. وقال بعضهم : هذا منسوخ بآية السيف وفيه بعد لأنه مذكور لأجل التهديد والوعيد.
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣))
قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) يعني : وهذا القرآن كتاب أنزلناه من عندنا عليك يا محمد كثير الخير والبركة دائم النفع يبشر المؤمنين بالثواب والمغفرة ويزجر عن القبيح والمعصية. وأصل البركة : النماء والزيادة وثبوت الخير (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يعني من الكتب الإلهية المنزلة من السماء على الأنبياء يعني أنه موافق لما في التوراة والإنجيل وسائر الكتب ، لأنها اشتملت جميعها على التوحيد والتنزيه لله من كل عيب ونقيصة وتدل على البشارة والنذارة فثبت بذلك كون القرآن مصدقا لجميع الكتب المنزلة (وَلِتُنْذِرَ) قرئ بالتاء يعني ولتنذر يا محمد وبالياء ومعناه ولينذر الكتاب (أُمَّ الْقُرى) يعني مكة وفيه حذف تقديره ولتنذر أهل القرى وسميت مكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها. قاله ابن عباس : وقيل : لأنها أقدم القرى وأعظمها بركة. وقيل : لأنها قبلة أهل الأرض (وَمَنْ حَوْلَها) يعني جميع البلاد والقرى التي حولها شرقا وغربا (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) يعني : والذين يصدقون بقيام الساعة وبالمعاد والبعث بعد الموت يصدقون بها الكتاب وأنه منزل من عند الله عزوجل وقيل ببعثة الرسول صلىاللهعليهوسلم وذلك أن الذي يؤمن بالآخرة يؤمن بالوعد والوعيد والثواب والعقاب ومن كان كذلك فإنه يرغب في تحصيل الثواب ورد العقاب عنه وذلك لا يحصل إلا بالنظر التام فإذا نظر وتفكر علم بالضرورة أن دين محمد أشرف الأديان وشريعته أعظم الشرائع (وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) يعني يداومون عليها في أوقاتها. والمعنى : أن الإيمان بالآخرة يحمل على الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وذلك يحمل على المحافظة على الصلاة ، وفائدة تخصيص الصلاة بالذكر دون سائر العبادات ، التنبيه على أنها أشرف العبادات بعد الإيمان بالله تعالى ، فإذا حافظ العبد عليها يكون محافظا على جميع العبادات والطاعات قوله عزوجل : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) يعني ومن أعظم خطأ وأجهل فعلا ممن اختلق على الله كذبا فزعم أن الله بعثه نبيا وهو في زعمه كذاب مبطل (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) قال قتادة : نزلت هذه الآية في مسيلمة الكذاب بن ثمامة. وقيل مسيلمة بن حبيب من بني حنيفة وكان صاحب نيرجات وكهانة وسجع ادعى النبوة باليمن وزعم أن الله أوحى إليه وكان قد أرسل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم رسولين : فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتشهدان أن مسيلمة نبي؟ قالا : نعم. فقال لهما : النبي صلىاللهعليهوسلم لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما (ق).
عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «بينا أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا عليّ وأهماني فأوحي إلي أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة» وفي لفظ الترمذي قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رأيت في المنام كأن في يدي سوارين فأولتهما كذا بين يخرجان من بعدي ، يقال لأحدهما : مسيلمة صاحب اليمامة والعنسي صاحب صنعاء» قوله فأوحى إليّ أن