بأسه ونقمته ليلا ونهارا من غير ملال ولا ضجر فعند ذلك نسبوه إلى الجنون فبرأه الله سبحانه وتعالى من الجنون فقال تعالى : (إِنْ هُوَ) يعني ما هو (إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ثم حثّهم على النظر المؤدي إلى العلم بالوحدانية فقال سبحانه وتعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) يعني نظر اعتبار واستدلال (فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) والمقصود التنبيه على أن الدلالة على الوحدانية ووجود الصانع القديم غير مقصورة على ملك السموات والأرض بل كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى وبرأه فيه دليل على وحدانية الله سبحانه وتعالى وآثار قدرته كما قال الشاعر :
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على أنه واحد |
(وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) والمعنى ولعل أجلهم يكون قد اقترب فيموتوا على الكفر قبل أن يؤمنوا فيصيروا إلى النار وإذا كان الأمر كذلك وجب على العاقل المبادرة إلى التفكر والاعتبار والنظر المؤدي إلى الفوز بالنعيم المقيم (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) يعني بعد القرآن (يُؤْمِنُونَ) يعني يصدقون. والمعنى فبأي كتاب بعد الكتاب الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم يصدقون وليس بعد محمد نبي ولا بعد كتابه كتاب لأنه خاتم الأنبياء وكتابه خاتم الكتب لانقطاع الوحي بعد محمد صلىاللهعليهوسلم ثم ذكر علة إعراضهم عن الإيمان فقال سبحانه وتعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) يعني أن إعراض هؤلاء عن الإيمان لإضلال الله إياهم فلو هداهم لآمنوا (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يعني ويتركهم في ضلالتهم وتماديهم في الكفر يترددون متحيرين لا يهتدون سبيلا.
قوله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) قال قتادة : قالت قريش لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إن بيننا وبينك قرابة فأسرّ إلينا متى الساعة فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال ابن عباس : قال جبل بن أبي قشير وشمول بن زيد ، وهما من اليهود ، لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول فإنا نعلم متى الساعة فأنزل الله عزوجل : يسألونك عن الساعة يعني عن خبر القيامة. سميت ساعة لأنها تقوم في ساعة غفلة وبغتة أو لأن حساب الخلائق ينقضي فيها في ساعة واحدة أيان سؤال استفهام عن الوقت الذي تقوم فيه الساعة ومعناه متى مرساها. قال ابن عباس : يعني منتهاها أي متى وقوعها. قالوا والساعة الوقت الذي تموت فيه الخلائق وأصل الإرساء الثبات يقول رسا يرسو إذا ثبت (قُلْ) أي قل لهم يا محمد (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أي لا يعلم الوقت الذي تقوم فيه إلا الله استأثر الله بعلمها فلم يطلع عليه أحد ومر حديث الإيمان والإسلام والإحسان وسؤال جبريل للنبي صلىاللهعليهوسلم فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
قال المحققون : وسبب إخفاء علم الساعة ووقت قيامها عن العباد ليكونوا على خوف وحذر منها لأنهم إذا لم يعلموا متى يكون ذلك الوقت كانوا على وجل وخوف وإشفاق منها فيكون ذلك أدعى لهم إلى الطاعة والتوبة وأزجر لهم عن المعصية (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) قال مجاهد لا يأتي بها إلا هو ، وقال السدي : لا يرسلها لوقتها إلا هو والتجلية إظهار الشيء بعد خفائه ، والمعنى : لا يظهرها لوقتها المعين إلا الله ولا يقدر على ذلك غيره (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني ثقل أمرها وخفي علمها على أهل السموات والأرض فكل شيء خفي فهو ثقيل شديد. وقال الحسن : إذا جاءت ثقلت وعظمت على أهل السموات والأرض وإنما ثقلت عليهم لأن فيها فناءهم وموتهم وذلك ثقيل على القلوب (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) يعني فجأة على حين غفلة من الخلق (ق) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» اللّقحة بفتح اللام وكسرها : الناقة القريبة العهد بالنتاج.