قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) يعني الملائكة المقربين لما أمر الله عزوجل رسوله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بالذكر في حالة التضرع والخوف أخبر أن الملائكة الذين عنده مع علو مرتبتهم وشرفهم وعصمتهم (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) وطاعته لأنهم عبيده خاضعون لعظمته وكبريائه عزوجل : (وَيُسَبِّحُونَهُ) يعني وينزهونه عن جميع النقائص ويقولون سبحان ربنا (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) لا لغيره.
فإن قلت : التسبيح والسجود داخلان في قوله تعالى لا يستكبرون عن عبادته لأنهما من جملة العبادة فكيف أفردهما بالذكر؟
قلت : أخبر الله عزوجل عن حال الملائكة أنهم خاضعون لعظمته لا يستكبرون عن عبادته ثم أخبر عن صفة عبادتهم أنهم يسبحونه وله يسجدون ولما كانت الأعمال تنقسم إلى قسمين أعمال القلوب وأعمال الجوارح وأعمال القلوب هي تنزيه الله عن كل سوء وهو الاعتقاد القلبي عبر عنه بقوله : ويسبحونه. وعبر عن أعمال الجوارح بقوله : وله يسجدون وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن فيستحب للقارئ والمستمع أن يسجد عند قوله : وله يسجدون ليوافق الملائكة المقربين في عباداتهم (ق) عن عبد الله بن عمر «أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته في غير وقت صلاة» (م) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويلتا أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» (م) عن ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة» والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
تم الجزء الثاني من تفسير الخازن ويليه الجزء الثالث وأوله : تفسير سورة الأنفال.