تقديره واذكر يا محمد إذ أخرجك ربك من بيتك بالحق. قيل : المراد بهذا الإخراج إخراجه من مكة إلى المدينة للهجرة. وقال جمهور المفسرين : المراد بهذا الإخراج هو خروجه من المدينة إلى بدر ومعناه كما أمرك ربك بالخروج من بيتك بالمدينة بالحق يعني بالوحي لطلب المشركين (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) يعني للقتال وإنما كرهوه لقلة عددهم وقلة سلاحهم وكثرة عدوهم وسلاحهم (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) وذلك أن المؤمنين لما أيقنوا بالقتال كرهوا ذلك وقالوا لم تعلمنا أنّا نلقى العدو فنستعد لقتالهم وإنما خرجنا لطلب العير فذلك جدالهم (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) يعني تبين لهم أنك لا تصنع شيئا إلا بأمر ربك وتبين لهم صدقك في الوعد (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) يعني لشدة كراهتهم القتال (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) يعني إلى الموت شبه حالهم في فرط فزعهم بحال من يجر إلى القتل ويساق إلى الموت وهو ينظر إليه ويعلم أنه آتيه.
قوله عزوجل : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) يعني الفرقتين فرقة أبي سفيان مع العير وفرقة أبي جهل مع النفير (أَنَّها لَكُمْ) يعني إحدى الفرقتين لكم. قال ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق والسدي : أقبل أبو سفيان بن حرب من الشام في عير قريش في أربعين راكبا من كفار قريش منهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل الزهري ومعهم تجارة كبيرة وهي اللطيمة. يريد باللطيمة ، الجمال التي تحمل العطر والبز غير الميرة ، حتى إذا كانوا قريبا من بدر ، بلغ النبي صلىاللهعليهوسلم خبرهم فندب أصحابه إليهم وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدو وقال : هذه هي عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يلقى حربا فلما سمع أبو سفيان بمسير رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليه استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا يستنفرهم ويخبرهم أن محمدا في أصحابه قد عرض لعيرهم فخرج ضمضم سريعا إلى مكة وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت رؤيا قبل قدوم ضمضم مكة بثلاثة أيام أفزعتها فبعثت إليها أخيها العباس بن عبد المطلب. فقالت : يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فقال لها وما رأيت؟ قالت : رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا فانفروا يا آل غدر إلى مصارعكم في ثلاث فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة فصرخ مثلها بأعلى صوته ألا فانفروا يا آل غدر إلى مصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ مثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا ودخلها منها فلقة فقال العباس : والله إن هذه الرؤيا فظيعة فاكتميها ولا تذكريها لأحد. ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة ، وكان صديقا للعباس ، فذكر رؤيا عاتكة له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لأبيه عتبة ، ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش بمكة. قال العباس : فعمدت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في نفر من قريش يتحدثون برؤيا عاتكة فغدوت أطوف فلما رآني أبو جهل قال : يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا. قال العباس : فلما فرغت من طوافي أقبلت إليهم حتى جلست معهم فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب متى حدثت هذه النبية فيكم قلت : وما ذاك؟ قال : الرؤيا التي رأت عاتكة قلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم لقد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك ما قالت حقا فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا بأنكم أكذب أهل بيت في العرب قال العباس فو الله ما كان مني إليه من كبير شيء إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون عاتكة رأت شيئا ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقلن أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم حتى تناول النساء وأنت تسمع ولم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت. قال : قلت قد والله فعلت ما كان مني إليه من شيء وايم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفيكنه ، قال : فغدوت في اليوم الثالث من