وهو أن من كان المكاء والتصدية صلاته فلا صلاة له فهو كقول العرب من كان السخاء عيبه فلا عيب له وقال سعيد بن جبير : التصدية صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام وعن الدين والصلاة فعلى هذا التصدية من الصد وهو المنع وقوله سبحانه وتعالى : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) يعني عذاب القتل والأسر في الدنيا. وقيل : يقال لهم في الآخرة فذوقوا العذاب (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) يعني بسبب كفرهم في الدنيا.
قوله سبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) لما ذكر الله سبحانه وتعالى عبادة الكفار البدنية وهي المكاء والتصدية ، ذكر عقبها عبادتهم المالية التي لا جدوى لها في الآخرة. وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحارث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب ، وكلهم من قريش ، فكان يطعم كل واحد منهم الجيش في كل يوم عشر جزر وأسلم من هؤلاء : العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحكيم بن حزام. وقال الحكم بن عتبة : نزلت في أبي سفيان بن حرب حين أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية كل أوقية اثنان وأربعون مثقالا. وقال ابن أبزي : استأجر أبو سفيان يوم أحد ألفين ليقاتل بهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سوى من استجاش من العرب. وقيل : استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من كنانة فقاتل بهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقيل : لما أصيب من أصيب من قريش يوم بدر ورجع أبو سفيان بعيره إلى مكة مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش قد أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة. فقالوا : يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا. بمن أصيب منافقيهم نزلت إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله أي ليصرفوا الناس عن الإيمان بالله ورسوله وقيل ينفقون أموالهم على أمثالهم من المشركين ليتقووا بهم على قتال رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين (فَسَيُنْفِقُونَها) يعني أموالهم في ذلك الوجه (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) يعني ما أنفقوا من أموالهم يكون عليهم حسرة وندمة يوم القيامة لأن أموالهم تذهب ويغلبون ولا يظفرون بما يؤملون (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعني منهم لأن فيهم من أسلم ولهذا قال والذين كفروا يعني من المنفقين أموالهم (إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) يعني يساقون إلى النار.
(لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠))
(لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) يعني ليفرق الله بين فريق الكفار وهم الفريق الخبيث وبين فريق المؤمنين وهم الفريق الطيب وهذا معنى قول ابن عباس فإنه قال : يميز أهل السعادة من أهل الشقاوة وقال : ليميز العمل الخبيث من العمل الطيب فيجازي على العمل الخبيث النار وعلى العمل الطيب الجنة وقيل : المراد به إنفاق الكفار في سبيل الشيطان وإنفاق المؤمنين في سبيل الله (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) يعني بعضه فوق بعض (فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) يعني فيجمعه جميعا ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكم (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) يعني الخبيث (أُولئِكَ) إشارة إلى المنفقين في سبيل الشيطان أو إلى الخبيث (هُمُ الْخاسِرُونَ) يعني أنهم خسروا الدنيا والآخرة لأنهم اشتروا بأموالهم عذاب الآخرة.