فإن قلت : اليد ليست محلا للكفر وإنما محله القلب لأن الكفر اعتقاد والاعتقاد محله القلب وظاهر الآية يقتضي أن فاعل هذا الكفر هي اليد وذلك ممتنع.
قلت : اليد هنا عبارة عن القدرة لأن اليد آلة العمل والقدرة هي المؤثرة في العمل فاليد كناية عن القدرة.
قوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) يعني أنه سبحانه وتعالى لا يعذر أحدا من خلقه إلا بجرم اجترمه لأنه لا يظلم أحدا من خلقه وإنما نفى الظلم عن نفسه مع أنه يعذب الكافر على كفره والعاصي على عصيانه لأنه يتصرف في ملكه كيف شاء ومن كان كذلك استحال نسبة الظلم إليه فلا يتوهم متوهم أنه سبحانه وتعالى مع خلقه كفر الكافر وتعذيبه عليه ظالم فلهذا قال الله سبحانه وتعالى وأن الله ليس بظلام للعبيد لأنهم في ملكه وتحت قدرته فهو يتصرف فيهم كيف يشاء.
قوله تعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) يعني أن عادة هؤلاء الكفار في كفرهم كعادة آل فرعون في كفرهم فجوزي هؤلاء بالقتل والأسر يوم بدر كما جوزي آل فرعون بالإغراق وأصل الدأب في اللغة إدامة العمل يقال فلان يدأب في كذا وكذا يداوم عليه ويتعب نفسه فيه ثم سميت العادة دأبا لأن الإنسان يداوم على عادته ويواظب عليها.
قال ابن عباس : معناه أن آل فرعون أيقنوا أن موسى عليهالسلام نبي من الله تعالى فكذبوه فكذلك هؤلاء لما جاءهم محمد صلىاللهعليهوسلم بالصدق كذبوه فأنزل الله بهم عقوبته كما أنزل بآل فرعون (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني من قبل آل فرعون (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) يعني أن عادة الأمم السالفة هو كفرهم بآيات الله (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) يعني بسبب كفرهم وذنوبهم (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) يعني في أخذه وانتقامه ممن كفر به وكذب رسله (شَدِيدُ الْعِقابِ) يعني لمن كفر به وكذب رسله (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) يعني : أن الله سبحانه وتعالى أنعم على أهل مكة بأن أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف وبعث إليهم محمدا صلىاللهعليهوسلم فقابلوا هذه النعمة بأن تركوا شكرها وكذبوا رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم وغيّروا ما بأنفسهم فسلبهم الله سبحانه وتعالى النعمة وأخذهم بالعقاب قال السدي : نعمة الله هو محمد صلىاللهعليهوسلم أنعم به على قريش فكفروا به وكذبوه فنقله الله تعالى إلى الأنصار (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) يعني لأقوال خلقه لا يخفى عليه شيء من كلامهم (عَلِيمٌ) يعني بما في صدورهم من خير وشر ، فيجازي كل واحد على عمله (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) يعني أن هؤلاء الكفار الذين قتلوا يوم بدر غيروا نعمة الله عليهم كصنيع آل فرعون (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) يعني : أهلكنا بعضهم بالرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالحجارة وبعضهم بالريح وبعضهم بالمسخ فكذلك أهلكنا كفار قريش بالسيف (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) يعني الأولين والآخرين ، فإن قلت ما الفائدة في تكرير هذه الآية مرة ثانية؟.
قلت : فيها فوائد منها الكلام الثاني يجري مجرى التفصيل للكلام الأول لأن الآية الأولى فيها ذكر أخذهم ، وفي الآية الثانية ذكر إغراقهم ، فهذه تفسير للأولى.
الفائدة الثانية : أنه ذكر في الآية الأولى أنهم كفروا بآيات الله وفي الآية الثانية أنهم كذبوا بآيات ربهم ففي الآية الأولى إشارة إلى أنهم أنكروا آيات الله وجحدوها ، وفي الآية الثانية إشارة إلى أنهم كذبوا بها مع جحودهم لها وكفرهم بها.
الفائدة الثالثة : أن تكرير هذه القصة للتأكيد وفي قوله (كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ بالذنوب.