وعيد وتهديد للعابدين والمعبودين (أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) يعني أنتم أيها المشركون والأصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) يعني : ففرقنا بين العابدين والمعبودين وميزنا بينهم وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا.
فإن قلت قوله سبحانه وتعالى فزيلنا بينهم جاء على لفظ الماضي بعد قوله ثم نقول للذين أشركوا وهو منتظر في المستقبل فما وجهه.
قلت : السبب فيه ، أن الذي حكم الله فيه بأنه سيكون صار كالكائن الآن.
قوله : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) يعني الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله وإنما سماهم شركاءهم ، لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم أو لأنه سبحانه وتعالى لما خاطب العابدين والمعبودين بقوله : مكانكم فقد صاروا شركاء في هذا الخطاب (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) تبرأ المعبودون من العابدين.
فإن قلت : كيف صدر هذا الكلام من الأصنام وهي جماد لا روح فيها ولا عقل لها؟
قلت : يحتمل أن الله تعالى خلق لها في ذلك اليوم من الحياة والعقل والنطق حتى قدرت على هذا الكلام فإن قلت إذا أحياهم الله في ذلك اليوم فهل يفنيهم أو يبقيهم.
قلت : الكل محتمل ولا اعتراض على الله في شيء من أفعاله وأحوال القيامة غير معلومة إلا ما دل عليه الدليل من كتاب أو سنة.
فإن قلت : إن الأصنام قد أنكرت أن الكفار كانوا يعبدونها وقد كانوا يعبدونها؟
قلت : قد تقدمت هذه المسألة وجوابها في تفسير سورة الأنعام ونقول هنا قال مجاهد : تكون في يوم القيامة ساعة تكون فيها شدة تنصب لهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله ، فتقول الآلهة : والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم تعبدوننا فيقولون والله إياكم كنا نعبد فتقول لهم الآلهة.
(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢))
(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ). والمعنى قد علم الله وكفى به شهيدا أما ما علمنا أنكم كنتم تعبدوننا وما كنا عن عبادتكم إيانا من دون لله إلا غافلين ما نشعر بذلك أما قوله سبحانه وتعالى :
(هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) فهو كالتتمة للآية المتقدمة والمعنى في ذلك المقام أو ذلك الموقف أو ذلك الوقت على معنى استعارة إطلاق اسم المكان على الزمان وفي قوله تبلوا قراءات قرئ بتاءين ولها معنيان أحدهما أنه من تلاه إذا تبعه أي تبع كل نفس ما أسلفت لأن العمل هو الذي يهدي النفس إلى الثواب أو العقاب.
الثاني : أن يكون من التلاوة والمعنى أن كل نفس تقرأ صحيفة عملها من خير أو شر. وقرئ : تبلو بالتاء المثناة والباء الموحدة ومعناه تخبر وتعلم. والبلو : الاختبار ومعناه : اختبارها ما أسلفت يعني : أنه إن قدم خيرا أو شرا قدم عليه وجوزي به (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) الرد : عبارة عن صرف الشيء إلى الموضع الذي جاء منه. والمعنى : وردوا إلى ما ظهر لهم من الله الذي هو مالكهم ومتولي أمرهم.