فإن قلت : قد قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) فما الفرق؟
قلت : المولى في اللغة يطلق على المالك ويطلق على الناصر ، فمعنى المولى هنا المالك ومعنى المولى هناك الناصر فحصل الفرق بين الآيتين (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) يعني وبطل وذهب ما كانوا يكذبون فيه في الدنيا وهو قولهم إن هذه الأصنام تشفع لنا.
قوله عزوجل : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من يرزقكم من السماء يعني المطر والأرض يعني النبات (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) يعني ومن أعطاكم هذه الحواس التي تسمعون بها وتبصرون بها (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) يعني أنه تعالى يخرج الإنسان حيا من النطفة وهي ميتة وكذلك الطير من البيضة وكذلك يخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي ويخرج البيضة الميتة من الطائر الحي. وقيل : معناه أنه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، والقول الأول أقرب إلى الحقيقة (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يعني أن مدبر أمر السموات ومن فيها ومدبر أمر الأرض وما فيها هو الله تعالى وذلك قوله (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) يعني أنهم يعترفون أن فاعل هذه الأشياء هو الله وإذا كانوا يقرون بذلك (فَقُلْ) أي قل لهم يا محمد (أَفَلا تَتَّقُونَ) يعني : أفلا تخافون عقابه حيث تعبدون هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تقدر على شيء من هذه الأمور (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) يعني : فذلكم الذي يفعل هذه الأشياء ويقدر عليها هو الله ربكم الحق الذي يستحق العبادة لا هذه الأصنام (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) يعني : إذا ثبت بهذه البراهين الواضحة والدلائل القطعية أن الله هو الحق وجب أن يكون ما سواه ضلالا وباطلا (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) يعني : إذا عرفتم هذا الأمر الظاهر الواضح فكيف تستخيرون العدول عن الحق إلى الضلال الباطل.
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥))
(كَذلِكَ) أي كما ثبت أنه ليس بعد الحق إلا الضلال (حَقَّتْ) أي وجبت (كَلِمَةُ رَبِّكَ) في الأزل (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) قيل : المراد بكلمة الله قضاؤه عليهم في اللوح المحفوظ أنهم لا يؤمنون وقضاؤه لا يرد ولا يدفع (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين هل من شركائكم يعني هذه الأصنام التي تزعمون أنها آلهة (مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) يعني من يقدر على أن ينشئ الخلق على غير مثال سبق (ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي ثم يعيده بعد الموت كهيئته أول مرة ، وهذا السؤال استفهام إنكار (قُلْ) أي : قل أنت يا محمد (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يعني أن الله هو القادر على ابتداء الخلق وإعادته (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) يعني فأنى تصرفون عن قصد السبيل والمراد من هذا التعجب من أحوالهم كيف تركوا هذا الأمر الواضح وعدلوا عنه إلى غيره (قُلْ) أي قل يا محمد (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) يعني هل من هذه الأصنام من يقدر علي أن يرشد إلى الحق فإذا قالوا لا ولا بد لهم من ذل (قُلْ) أي قل لهم أنت يا محمد (اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) يعني أن الله هو الذي يرشد إلى الحق لا غيره (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) يعني أن الله هو الذي يهدي إلى الحق فهو أحق بالاتباع لا هذه الأصنام التي لا تهتدي إلا أن تهدي.
فإن قلت : الأصنام جماد لا تتصور هدايتها ولا أن تهدي فكيف قال إلا أن يهدي.
قلت : ذكر العلماء عن هذا السؤال وجوها.