السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) يعني أن صاحب شراب الملك يرجع إلى منزلته ويسقي الملك خمرا كما كان يسقيه أولا والعناقيد الثلاثة هي ثلاثة أيام يبقي في السجن ثم يدعو به الملك ويرده إلى منزلته التي كان عليها (وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ) يعني صاحب طعام الملك والسلال الثلاث ثلاثة أيام ثم يعدو به الملك فيصلبه (فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) قال ابن مسعود رضي الله عنه فلما سمعا قول يوسف عليه الصلاة والسلام قالا ما رأينا شيئا إنما كنا نلعب قال يوسف (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) يعني فرغ من الأمر الذي سألتما عنه ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به رأيتما شيئا أم لم تريا (وَقالَ) يعني يوسف (لِلَّذِي ظَنَ) يعني علم وتحقق فالظن بمعنى العلم (أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) يعني ساقي الملك (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) يعني سيدك وهو الملك الأكبر فقل له إن في السجن غلاما محبوسا مظلوما طال حبسه (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) في هاء الكناية في فأنساه إلى من تعود قولان :
أحدهما : إنها ترجع إلى الساقي وهو قول عامة المفسرين والمعنى فأنسى الشيطان الساقي أن يذكر يوسف عند الملك قالوا لأن صرف وسوسة الشيطان إلى ذلك الرجل الساقي حتى أنساه ذكر يوسف أولى من صرفها إلى يوسف.
والقول الثاني : وهو قول أكثر المفسرين أن هاء الكناية ترجع إلى يوسف ، والمعنى أن الشيطان أنسى يوسف ذكر ربه عزوجل حتى ابتغى الفرج من غيره واستعان بمخلوق مثله في دفع الضرر وتلك غفلة عرضت ليوسف عليهالسلام فإن الاستعانة بالمخلوق في دفع الضرر جائزة إلا أنه لما كان مقام يوسف أعلى المقامات ورتبته أشرف المراتب وهي منصب النبوة والرسالة لا جرم صار يوسف مؤاخذا بهذا القدر فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
فإن قلت كيف تمكن الشيطان من يوسف حتى أنساه ذكر ربه.
قلت بشغل الخاطر وإلقاء الوسوسة فإن قد صح في الحديث «إن الشيطان يجري ن ابن آدم مجرى الدم» فأما النسيان الذي هو عبارة عن ترك الذكر وإزالته عن القلب بالكلية فلا يقدر عليه.
وقوله سبحانه وتعالى : (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ).
اختلفوا في قدر البضع فقال مجاهد هو ما بين الثلاث إلى السبع وقال قتادة : هو ما بين الثلاث إلى التسع ، وقال ابن عباس هو ما دون العشرة وأكثر المفسرين على أن البضع في هذه الآية سبع سنين وكان يوسف قد لبث قبلها في السجن خمس سنين فجملة ذلك اثنتا عشرة سنة وقال وهب : أصاب أيوب البلاء سبع سنين وترك يوسف في السجن سبع سنين.
وقال مالك بن دينار : لما قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك قال له يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا لأطيلن حبسك فبكى يوسف وقال يا رب أنسى قلبي ذكرك كثرة البلوى فقلت كلمة قال الحسن قال النبي صلىاللهعليهوسلم «رحم الله يوسف لولا كلمته التي قالها ما لبث في السجن ما لبث» يعني قوله اذكرني عند ربك ثم بكى الحسن وقال نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس ذكره الثعلبي مرسلا وبغير سند وقيل إن جبريل دخل على يوسف في السجن فلما رآه يوسف عرفه فقال له يوسف يا أخا المنذرين ما لي أراك بين الخاطئين فقال له جبريل يا طاهر بن الطاهرين يقرأ عليك السلام رب العالمين ويقول لك ما استحييت مني أن استغثت بالآدميين فوعزتي وجلالي لألبثنك في السجن بضع سنين قال يوسف وهو في ذلك عني راض قال نعم قال إذن لا أبالي وقال كعب قال جبريل ليوسف يقول الله عزوجل لك من خلقك قال الله قال فمن رزقك قال الله قال فمن حببك إلى أبيك قال الله