تقديره فأرسلني أيها الملك فأرسله فأتى السجن قال ابن عباس ولم يكن السجن في المدينة (يُوسُفُ) أي يا يوسف (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) إنما سماه صديقا لأنه لم يجرب عليه كذبا قط والصديق الكثير الصدق والذي ل يكذب قط وقيل سماه صديقا لأنه صدق في تعبيره رؤياه التي رآها في السجن (أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ) فإن الملك رأى هذه الرؤيا (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) يعني أرجع بتأويل هذه الرؤيا إلى الملك وجماعته (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) يعني بتأويل هذه الرؤيا وقيل لعلهم يعلمون منزلتك في العلم (قالَ) يعني يوسف معبرا لتلك الرؤيا أما البقرات السمان والسنبلات الخضر فسبع سنين مخصبة وأما البقرات العجاف والسنبلات اليابسات فسبع سنين مجدبة فذلك قوله تعالى : (تَزْرَعُونَ) وهذا خبر بمعنى الأمر أي ازرعوا (سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) يعني عادتكم في الزراعة والدأب العادة وقيل ازرعوا بجد واجتهاد (فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) إنما أمرهم بترك ما حصدوه من الحنطة في سنبله لئلا يفسد ويقع في السوس وذلك أبقى له على طول الزمان (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) يعني ادرسوا قليلا من الحنطة للأكل بقدر الحاجة وأمرهم بحفظ الأكثر لوقت الحاجة أيضا وهو وقت السنين المجدبة وهو قوله (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعني من بعد السنين المخصبة (سَبْعٌ شِدادٌ) يعني سبع سنين مجدبة ممحلة شديدة على الناس (يَأْكُلْنَ) يعني يفنين (ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ) يعني يؤكل فيهن كل ما أعددتم وادخرتم لهن من الطعام وإنما أضاف الأكل إلى السنين على طريق التوسع في الكلام (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) يعني تحرزون وتدخرون للبذر ، والإحصان الإحراز وهو إبقاء الشيء في الحصن بحيث يحفظ ولا يضيع.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢))
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعني من بعد هذه السنين المجدبة (عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) أي يمطرون من الغيث الذي هو المطر ، وقيل : هو من قولهم استغثت بفلان فأغاثني من الغوث (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) يعني يعصرون العنب خمرا والزيتون زيتا والسمسم دهنا أراد به كثرة الخير والنعم على الناس وكثرة الخصب في الزرع والثمار ، وقيل يعصرون معناه ينجون من الكرب والشدة والجدب.
قوله عزوجل : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) وذلك أن الساقي لما رجع إلى الملك وأخبره بفتيا يوسف وما عبر برؤياه استحسنه الملك وعرف أن الذي قاله كائن لا محالة فقال ائتوني به حتى أبصر هذا الرجل الذي قد عبر رؤياي بهذه العبارة فرجع الساقي إلى يوسف وقال له أجب الملك فذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ) فأبى أن يخرج معه حتى تظهر براءته للملك ولا يراه بعين النقص (قالَ) يعني قال يوسف للرسول (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) يعني إلى سيدك وهو الملك (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) ولم يصرح بذكر امرأة العزيز أدبا واحتراما لها (ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي» أخرجه الترمذي ، وزاد فيه «ثم قرأ فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن» هذا الحديث فيه بيان فضل يوسف عليه الصلاة والسلام وبيان قوة صبره وثباته والمراد بالداعي رسول الملك الذي جاءه من عنده فلم يخرج معه مبادرا إلى الراحة ومفارقة ما هو فيه من الضيق والسجن الطويل فلبث في السجن وراسل الملك في كشف أمره الذي سجن بسببه لتظهر براءته عند الملك وغيره