كنت امرأة حسناء ناعمة كما ترى في ملك ودنيا وكان صاحبي لا يأتي النساء وكنت كما جعلك الله في حسنك وهيئتك فغلبتني نفسي وعصمك الله قالوا فوجدها يوسف عذراء فأصابها فولدت له ولدين ذكرين إفراثيم وميشا وهما ابنا يوسف منها واستوثق ليوسف ملك مصر وأقام فيه العدل وأحبه الرجال والنساء فلما اطمأن يوسف في ملكه دبر في جمع الطعام أحسن التدبير فبنى الحصون والبيوت الكثيرة وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة وأنفق المال بالمعروف حتى خلت السنين المخصبة ودخلت السنين المجدبة بهول وشدة لم ير الناس مثله ، وقيل : إنه دبر في طعام الملك وحاشيته كل يوم مرة واحدة نصف النهار فلما دخلت سنين القحط كان أول من أصابه الجوع الملك فجاع نصف النهار فنادى يا يوسف الجوع الجوع فقال يوسف هذا أول أوان القحط فهلك في السنة الأولى من أول سنين القحط كل ما أعدوه في السنين المخصبة فجعل أهل مصر يبتاعون الطعام من يوسف فباعهم في السنة الأولى بالنقود حتى لم يبق بمصر درهم ولا دينار إلا أخذه منهم وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق بمصر في أيدي الناس منها شيء وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي والأنعام حتى لم تبق دابة ولا ماشية إلا احتوى عليها كلها وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والجواري حتى لم يبق بأيدي الناس عبد ولا أمة وباعهم في السنة الخامسة بالضياع والعقار حتى أتى عليها كلها وباعهم في السنة السادسة بأولادهم ، حتى استرقهم وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر حر ولا حرة إلا ملكه فصاروا جميعهم عبيدا ليوسف عليه الصلاة والسلام فقال أهل مصر ما رأينا كاليوم ملكا أجمل ولا أعظم من يوسف فقال يوسف للملك كيف رأيت صنع الله بي فيما خولني فما ترى في هؤلاء قال الملك الرأي رأيك ونحن لك تبع قال فإني أشهد الله وأشهدك أني قد أعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم أملاكهم وقيل إن يوسف كان لا يشبع من الطعام في تلك الأيام فقيل له أتجوع وبيدك خزائن الأرض فقال أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع وأمر يوسف طباخي الملك أن يجعلوا غداءه نصف النهار وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائع فمن ثم جعل الملوك غداءهم نصف النهار.
قال مجاهد : ولم يزل يوسف يدعو الملك إلى الإسلام ويتلطف به حتى أسلم الملك وكثير من الناس فذلك قوله سبحانه وتعالى : وكذلك مكّنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) يعني نختص بنعمتنا وهي النبوة من نشاء يعني من عبادنا (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) قال ابن عباس يعني الصابرين (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) يعني ولثواب الآخرة (خَيْرٌ) يعني أفضل من أجر الدنيا (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) يعني يتقون ما نهى الله عنه وفيه دليل على أن الذي أعد الله عزوجل ليوسف عليه الصلاة والسلام في الآخرة من الأجر والثواب الجزيل أفضل مما أعطاه الله في الدنيا من الملك قوله تعالى :
(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨))
(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) قال العلماء : لما اشتد القحط وعظم البلاء وعم ذلك جميع البلاد حتى وصل إلى بلاد الشام قصد الناس مصر من كل مكان للميرة وكان يوسف لا يعطي أحدا أكثر من حمل بعير وإن كان عظيما تقسيطا ومساواة بين الناس ونزل بآل يعقوب ما نزل بالناس من الشدة فبعث بنيه إلى مصر للميرة وأمسك عنده بنيامين أخا يوسف لأمه وأبيه وأرسل عشرة فذلك قوله تعالى وجاء إخوة يوسف وكانوا عشرة وكان مسكنهم بالعربات من أرض فلسطين والعربات ثغور الشام وكانوا أهل بادية وإبل وشياه فدعاهم يعقوب عليه الصلاة والسلام وقال بلغني أن بمصر ملكا صالحا يبيع الطعام فتجهزوا له واقصدوه لتشتروا منه ما تحتاجون إليه من الطعام فخرجوا حتى قدموا مصر فدخلوا على يوسف فعرفهم.