أنه أشفق عليهم إشفاق الآباء على الأبناء وذلك أنه خاف عليهم من العين أو خاف عليهم حسد أهل مصر أو خاف أن لا يردوا عليه فأشفق من هذا كله أو بعضه (وَإِنَّهُ) يعني يعقوب (لَذُو عِلْمٍ) يعني صاحب علم (لِما عَلَّمْناهُ) يعني لتعليمنا إياه ذلك العلم ، وقيل : معناه وإنه لذو علم للشيء الذي علمناه والمعنى أنا لما علمناه هذه الأشياء حصل له العلم بتلك الأشياء ، وقيل : إنه لذو حفظ لما علمناه وقيل إنه كان يعمل ما يعمل عن علم لا عن جهل ، وقيل : إنه لعامل بما علمناه قال سفيان من لا يعمل بما يعلم لا يكون عالما (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يعني لا يعلمون ما كان يعلم يعقوب لأنهم لم يسلكوا طريق إصابة العلم وقال ابن عباس : لا يعلم المشركون ما ألهم الله أولياءه.
(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩))
قوله تعالى : (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) قال المفسرون : لما دخل إخوة يوسف على يوسف قالوا أيها الملك هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به قد جئناك به فقال لهم أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي ثم أنزلهم وأكرم نزلهم ثم إنه أضافهم وأجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحيدا فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيا لأجلسني معه فقال لهم يوسف لقد بقي هذا وحده فقالوا كان له أخ فهلك قال لهم فأنا أجلسه معي فأخذه فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمرهم بمثل ذلك وقال كل اثنين منكم ينامان على فراش واحد فبقي بنيامين وحده فقال يوسف هذا ينام عندي على فراشي فنام بنيامين مع يوسف على فراشه فجعل يوسف يضمه إليه ويشم ريحه حتى أصبح فلما أصبح قال لهم إني أرى هذا الرجل وحيدا ليس معه ثان وسأضمه إليّ فيكون معي في منزلي ثم إنه أنزلهم وأجرى عليهم الطعام فقال روبيل ما رأينا مثل هذا فذلك قوله آوى إليه أخاه يعني ضمه وأنزله معه في منزله فلما خلا به قال له يوسف ما اسمك قال بنيامين قال وما بنيامين قال ابن المشكل وذلك أنه لما ولدته أمه هلكت قال وما اسم أمك قال راحيل قال فهل لك من ولد قال عشر بنين قال فهل لك من أخ لأمك قال كان لي أخ فهلك قال يوسف أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال بنيامين ومن يجد أخا مثلك أيها الملك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف عليه الصلاة والسلام وقام إليه وعانقه و (قالَ) له (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) يعني يوسف (فَلا تَبْتَئِسْ) يعني لا تحزن وقال أهل اللغة تبتئس تفتعل من البؤس وهو الضرر والشدة والابتئاس اجتلاب الحزن والبؤس (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يعني فلا تحزن بشيء فعلوه بنا فيما مضى فإن الله قد أحسن إلينا ونجانا من الهلاك وجمع بيننا ، وقيل : إن يوسف صفح عن إخوته وصفا لهم فأراد أن يجعل قلب أخيه بنيامين مثل قلبه صافيا عليهم ثم قال يوسف لأخيه بنيامين لا تعلم إخوتك بشيء مما أعلمتك به ثم إنه أوفى لإخوته الكيل وزاد لكل واحد حمل بعير ولبنيامين حمل بعير باسمه ثم أمر بسقاية الملك فجعلت في رحل أخيه بنيامين ، قال السدي : وهو لا يشعر وقال كعب : لما قال له يوسف إني أنا أخوك قال بنيامين أنا لا أفارقك فقال يوسف قد علمت اغتمام والدي عليّ فإذا حبستك عندي ازداد غمه ولا يمكنني هذا إلا بعد أن أشهرك بأمر فظيع وأنسبك إلى ما لا يحمد قال لا أبالي فافعل ما بدا لك فإني لا أفارقك قال فإني أدس صاعي في رحلك ثم أنادي عليكم بالسرقة ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك قال فافعل ما شئت فذلك قوله عزوجل : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢)