الحال ويدل على أنهم لم يقطعوا عليه بالسرقة قولهم (وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) يعني ولم نقل ذلك إلا بعد أن رأينا إخراج الصواع وقد أخرج من متاعه وقيل معناه ما كانت منا شهادة في عمرنا على شيء إلا بما علمناه وهذه ليست بشهادة إنما هو خبر عن صنيع ابنك أنه سرق بزعمهم فيكون المعنى أن ابنك سرق في زعم الملك وأصحابه لا أنّا نشهد عليه بالسرقة : وقرأ ابن عباس والضحاك : سرق بضم السين وكسر الراء وتشديدها أي نسب إلى السرقة واتهم بها وهذه القراءة لا تحتاج إلى تأويل ومعناها أن القوم نسبوه إلى السرقة إلا أن هذه القراءة ليست مشهورة فلا تقوم بها حجة والقراءة الصحيحة المشهورة هي الأولى وقوله وما شهدنا إلا بما علمنا يعني وما قلنا هذا إلا بما علمنا فيما رأينا إخراج الصواع من متاعه ، وقيل : معناه ما كانت منا شهادة في عمرنا على شيء إلا بما عملناه وليست هذه شهادة وإنما هو خبر عن صنيع ابنك بزعمهم. وقيل : قال لهم يعقوب هب أنه سرق فما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم قالوا ما شهدنا عنده أن السارق يسترق إلا بما علمنا من الحكم وكان الحكم كذلك عند الأنبياء قبله ويعقوب وبنيه.
وأورد على هذا القول كيف جاز ليعقوب إخفاء هذا الحكم حتى ينكر على بنيه ذلك.
وأجيب عنه بأنه يحتمل أن يكون ذلك الحكم كان مخصوصا بما إذا كان المسروق منه مسلما فلهذا أنكر عليهم إعلام الملك بهذا الحكم لظنه أنه كافر (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) قال مجاهد وقتادة : يعني ما كنا نعلم أن ابنك سرق ويصير أمرنا إلى هذا ولو عملنا ذلك ما ذهبنا به معنا وإنما قلنا ونحفظ أخانا مما لنا إلى حفظه منه سبيل ، و
قال ابن عباس : ما كنا لليله ونهاره ومجيئه وذهابه حافظين وقيل معناه إن حقيقة الحال غير معلومة لنا فإن الغيب لا يعلمه إلا الله فلعل الصواع دس في رحله ونحن لا نعلم بذلك (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) يعني واسأل أهل القرية إلا أن حذف المضاف للإيجاز ومثل هذا النوع من المجاز مشهور في كلام العرب والمراد بالقرية مصر ، وقال ابن عباس : هي قرية من قرى مصر كان قد جرى فيها حديث السرقة والتفتيش (وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) يعني واسأل القافلة التي كنا فيها وكان صحبهم قوم من كنعان من جيران يعقوب (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) يعني فيما قلناه وإنما أمرهم أخوهم الذي أقام بمصر بهذه المقالة مبالغة في إزالة التهمة عن أنفسهم عند أبيهم لأنهم كانوا متهمين عنده بسبب واقعة يوسف (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) فيه اختصار تقديره فرجعوا إلى أبيهم فأخبروه بما جرى لهم في سفرهم ذلك وبما قال لهم كبيرهم وأمرهم أن يقولوه لأبيهم فعند ذلك قال لهم يعقوب بل سولت يعني بل زينت لكم أنفسكم أمرا وهو حمل أخيكم معكم إلى مصر لطلب نفع عاجل فآل أمركم إلى ما آل ، وقيل : معناه بل خيلت لكم أنفسكم أنه سرق ما سرق (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) تقدم تفسيره في أول السورة.
وقوله (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) يعني بيوسف وبنيامين والأخ الثالث الذي أقام بمصر وإنما قال يعقوب هذه المقالة لأنه لما طال حزنه واشتد بلاؤه ومحنته علم أن الله سيجعل له فرجا ومخرجا عن قريب فقال ذلك على سبيل حسن الظن بالله عزوجل لأنه إذا اشتد البلاء وعظم كان أسرع إلى الفرج ، وقيل : إن يعقوب علم بما يجري عليه وعلى بنيه من أول الأمر وهو رؤيا يوسف وقوله «يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا» فلما تناهى الأمر قال عسى الله أن يأتيني بهم جميعا (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) يعني بحزني ووجدي عليهم (الْحَكِيمُ) فيما يدبره ويقضيه.
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦))