وقال صاحب الكشاف وظنوا أنهم قد كذبوا أي كذبتهم أنفسهم حتى حدثتهم بأنهم لا ينصرون أو رجاؤهم كقولهم رجاء صادق ورجاء كاذب والمعنى أن مدة التكذيب والعداوة وانتظار النصر من الله تعالى وتأميله قد تطاولت عليهم وتمادت حتى استشعروا القنوط وتوهموا أن لا نصر لهم في الدنيا فجاءهم نصرنا فجأة من غير احتساب ، وعن ابن عباس : وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله به من النصر قال وكانوا بشرا وتلا قوله وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله. قال صاحب الكشاف : فإن صح هذا عن ابن عباس فقد أراد بالظن ما يخطر بالبال ويهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه الطبيعة البشرية وأما الظن الذي هو ترجيح أحد الجانبين على الآخر فغير جائز على رجل من المسلمين فما بال رسل الله الذين هم أعرف الناس بربهم وأنه متعال عن خلف الميعاد وحكى الواحدي عن ابن الأنباري أنه قال هذا غير معول عليه من جهتين إحداهما أن التفسير ليس عن ابن عباس لكنه من متأول تأول عليه والأخرى أن قوله جاءهم نصرنا دال على أن أهل الكفر ظنوا ما لا يجوز مثله واستضعفوا رسل الله ونصر الله للرسل ولو كان الظن للرسل كان ذلك منهم خطأ عظيما ولا يستحقون ظفرا ولا نصرا وتبرئة الأنبياء وتطهيرهم واجب علينا إذا وجدنا إلى ذلك سبيلا وقرأ الباقون وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وظنوا أنهم قد كذبوا بالتشديد ووجه ظاهر وهو أن معناه حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنوا يعني وأيقنوا يعني الرسل أن الأمم قد كذبوهم تكذيبا لا يرجى بعده إيمانهم فالظن بمعنى اليقين وهذا معنى قول قتادة وقال بعضهم معناه حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم وظنوا أن من قد آمن بهم من قومهم قد فارقوهم وارتدوا عن دينهم لشدة المحنة والبلاء واستبطئوا النصر أتاهم النصر وعلى هذا القول الظن بمعنى الحسبان والتكذيب مظنون من جهة من آمن بهم يعني وظنوا بالرسل ظن حسبان أن ربهم قد كذبهم في وعد الظفر والنصر لإبطائه وتأخره عنهم ولطول البلاء بهم لا أنهم كذبوهم في كونهم رسلا وقيل إن هذا التكذيب لم يحصل من أتباعهم المؤمنين لأنه لو حصل لكان نوع كفر ولكن الرسل ظنت بهم ذلك لبطء النصر وعلى هذا القول الظن بمعنى اليقين والتكذيب المتيقن هو من جهة الكفار وعلى القولين جميعا فالكناية في وظنوا للرسل (خ) عن عروة بن الزبير : أنه سأل عائشة عن قوله تعالى حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا أو كذبوا ، قالت : بل كذبهم قومهم فقلت والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن فقالت يا عروة أجل لقد استيقنوا بذلك فقلت لعلها قد كذبوا فقالت : معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك من ربهم قلت فما هذه الآية قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنوا أن أتباعهم كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك. وفي رواية عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال : قال ابن عباس حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة قال ذهب لها هنالك وتلا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب قال فلقيت عروة بن الزبير وذكرت ذلك له فقال قالت عائشة معاذ الله والله ما وعد الله ورسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون معهم من قومهم من يكذبوهم فكانت تقرؤها وظنوا أنهم قد كذبوا مثقلة.
وقوله تعالى : (جاءَهُمْ نَصْرُنا) يعني جاء نصر الله النبيين (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) من عبادنا يعني عند نزول العذاب بالكافرين فننجي المؤمنين المطيعين (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) يعني عذابنا (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) يعني المشركين قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) يعني في خبر يوسف وإخوته (عِبْرَةٌ) أي موعظة (لِأُولِي الْأَلْبابِ) يعني يتعظ بها أولو الألباب والعقول الصحيحة ومعناه الاعتبار والعبرة الحالة التي يتوصل بها الإنسان من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد والمراد من التأمل والتفكر ووجه الاعتبار بهذه القصة أن الذي قدر على إخراج يوسف من الجب بعد إلقائه فيه وإخراجه من السجن وتمليكه مصر بعد العبودية وجمع شمله بأبيه وإخوته بعد