عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله فقال : يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا. فقال رجل : أفي كل عام؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ثم قال : ذروني ما تركتكم ولو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم وإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذ نهيتكم عن شيء فاجتنبوه».
وروى مجاهد عن ابن عباس : لا تسألوا عن أشياء قال هي البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ألا ترى أنه يقول بعد ذلك ما جعل الله من بحيرة ولا كذا ولا كذا وقال عكرمة : إنهم كانوا يسألون عن الآيات فنهوا عن ذلك ثم قال قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرون ومعنى الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) جمع شيء (إِنْ تُبْدَ لَكُمْ) أي تظهر لكم وتبن لكم (تَسُؤْكُمْ) يعني إن أمرتم بالعمل بها فإن من سأل عن الحج لم يأمن أن يؤمر به فلا يقدر عليه فيسوءه ذلك ومن سأل عن نسبه لم يأمن أن يلحقه النبي صلىاللهعليهوسلم بغير أبيه فيفتضح ويسوءه ذلك (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) معناه : إن صبرتم حتى ينزل القرآن بحكم من فرض أو نهي أو حكم وليس في ظاهره شرح ما تحتاجون إليه ومست حاجتكم إليه فإذا سألتم عنه فحينئذ يبدي لكم ، ومثال هذا : أن الله عزوجل لما بيّن عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها والحامل ولم يكن في عدد هؤلاء دليل على عدة التي ليست ذات قرء ولا حامل فسألوا عنها فأنزل الله عزوجل جوابهم في قوله (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ) الآية (عَفَا اللهُ عَنْها) يعني عن مسألتكم عن الأشياء التي سألتم عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم التي كره الله لكم السؤال عنها فلم يؤاخذكم بها ولم يعاقبكم عليها (وَاللهُ غَفُورٌ) يعني لمن تاب منكم (حَلِيمٌ) فلا يعجل بعقوبتكم. وقال عطاء : غفور يعني لما كان في الجاهلية. حليم : يعني عن عقابكم منذ آمنتم وصدقتم. وقال بعض العلماء : الأشياء التي يجوز السؤال عنها ، هي ما يترتب عليها أمر الدين والدنيا من مصالح العباد وما عدا ذلك فلا يجوز السؤال عنه (ق).
عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على الناس فحرم من أجل مسألته (ق).
عن المغيرة بن شعبة أنه كتب إلى معاوية أن النبي صلىاللهعليهوسلم «كان ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال» عن معاوية أن النبي صلىاللهعليهوسلم «نهى عن الأغلوطات» أخرجه أبو داود. والأغلوطات صعاب المسائل التي تزل فيها أقدام العلماء ويؤيد ذلك قول أبي هريرة : شرار الناس الذين يسألون عن شرار المسائل كي يغلطوا بها العلماء. عن سلمان قال سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أشياء فقال «الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرمه الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما قد عفا عنه فلا تتكلفوا» وعن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تقربوها وترك أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها» هذان الحديثان أخرجهما في جامع الأصول ولم يعزهما إلى الكتب الستة ثم قال تعالى :
(قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢) ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣))
(قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) قال المفسرون : يعني قوم صالح سألوا الناقة ثم عقروها فأصبحوا بها كافرين ، وقوم موسى قالوا : أرنا الله جهرة ، فكان هذا السؤال وبالا عليهم ، وقوم عيسى ، سألوا نزول المائدة عليهم ثم كذبوها. كأنه تعالى يقول : إن أولئك سألوا فلما أعطوا سؤلهم كفروا به فلا تسألوا أنتم شيئا فلعلكم إن أعطيتم سؤلكم ساءكم ذلك.