من الناس افتتن (فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) أي جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة والمعنى أنه جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه وهو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) أي فتح ودولة للمؤمنين (لَيَقُولُنَ) أي هؤلاء المنافقون للمؤمنين (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) أي على عدوكم وكنا مسلمين وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا فأكذبهم الله تعالى فقال (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) أي من الإيمان والنفاق (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا فثبتوا على الإيمان والإسلام عند البلاء. (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) أي بترك الإسلام عند البلاء قيل نزلت هذه الآية في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا. وقال ابن عباس : نزلت في الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر وهم الذين نزلت فيهم (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) وقيل هذه الآيات العشر من أول السورة إلى ها هنا مدنية وباقي السورة مكية (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني من أهل مكة قيل قاله أبو سفيان (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي من قريش (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) يعني ديننا وملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم فذلك قوله (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) أي أوزاركم والمعنى إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم فأكذبهم الله عزوجل بقوله (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في قولهم نحمل خطاياكم (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) أي أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) أي أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزار أنفسهم. فإن قلت قد قال أولا وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء وقال ها هنا وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم فكيف الجمع بينهما. قلت : معناه إنهم لا يرفعون عنهم خطيئة بل كل واحد يحمل خطيئة نفسه ورؤساء الضلال يحملون أوزارهم ويحملون أوزارا بسبب إضلال غيرهم فهو كقوله صلىاللهعليهوسلم : «من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» رواه مسلم (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) أي سؤال توبيخ وتقريع لأنه تعالى عالم بأعمالهم وافترائهم. قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ) أي فأقام (فِيهِمْ) يدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) فإن قلت فما فائدة هذا الاستثناء وهلا قال تسعمائة وخمسين سنة قلت فيه فائدتان إحداهما : أن الاستثناء يدل على التحقيق وتركه يظن به التقريب فهو كقول القائل عاش فلان مائة سنة فقد يتوهم السائل أنه يقول مائة سنة تقريبا لا تحقيقا فإن قال مائة سنة إلا شهرا أو إلا سنة زال ذلك التوهم وفهم منه التحقيق. الفائدة الثانية : هي لبيان أن نوحا صبر على أذى قومه صبرا كثيرا وأعلى مراتب العدد ألف سنة. وكان المراد التكثير فلذلك أتى بعقد الألف لأنه أعظم وأفخم هذه تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم حيث أعلم أن الأنبياء قد ابتلوا قبله وأن نوحا لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم فصبر في الدعاء ولم يؤمن من قومه إلا قليل فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة من آمن بك.
قال ابن عباس : بعث نوح لأربعين سنة وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس فكان عمره ألفا وخمسين عاما. وقيل في عمره غير ذلك. قوله تعالى (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) أي فأغرقهم (وَهُمْ ظالِمُونَ) قال ابن عباس مشركون (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) يعني من الغرق (وَجَعَلْناها) يعني السفينة (آيَةً) أي عبرة (لِلْعالَمِينَ) قيل إنها بقيت على الجودي مدة مديدة وقيل جعلنا عقوبتهم بالغرق عبرة. قوله تعالى (وَإِبْراهِيمَ) أي وأرسلنا إبراهيم (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ) أي أطيعوا الله وخافوه (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي ما هو خير لكم مما هو شر لكم ولكنكم لا تعلمون (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) أي تقولون كذبا وقيل تصنعون أصناما بأيديكم وتسمونها آلهة (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) أي لا يقدرون أن يرزقوكم (فَابْتَغُوا) أي فاطلبوا (عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) فإنه القادر على ذلك (وَاعْبُدُوهُ) أي وحدوه (وَاشْكُرُوا لَهُ) لأنه المنعم عليكم بالرزق (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)