أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨))
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) يعني لإقامة الحق (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أي لوقت معلوم إذا انتهت إليه فنيت وهو يوم القيامة (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي يسافروا فيها (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي ينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم فيعتبروا (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ) أي حرثوها وقلبوها للزراعة (وَعَمَرُوها) يعني الأمم الخالية (أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) يعني أهل مكة (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي فلم يؤمنوا فأهلكهم الله (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) أي بنقص حقوقهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي ببخس حقوقهم (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا) أي أساءوا العمل فاستحقوا (السُّواى) يعني الخلة التي تسوؤهم وهي النار وقيل السوء اسم لجهنم ، ومعنى الآية أن عاقبة الذين عملوا السوء النار (أَنْ كَذَّبُوا) أي لأنهم كذبوا وقيل معنى الآية ثم كان عاقبة المسيئين أن حملتهم تلك السيئات على أن كذبوا (بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) قوله تعالى (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي خلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياء (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي فيجزيهم بأعمالهم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) قيل : معناه أنهم ييأسون من كل خير وقيل : ينقطع كلامهم وحججهم وقيل يفتضحون (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ) يعني أصنامهم التي عبدوها (شُفَعاءُ) أي يشفون لهم (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) أي جاحدين متبرئين يتبرؤون منها وتتبرأ منهم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) أي يتميز أهل الجنة من أهل النار. وقيل يتفرقون بعد الحساب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار فلا يجتمعون أبدا فهو قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ) أي في جنة وقيل الروضة البستان الذي هو في غاية النضارة (يُحْبَرُونَ) قال ابن عباس يكرمون وقيل يتنعمون ويسرون والحبرة السرور. وقيل في معنى يحبرون : هو السماع في الجنة. قال الأوزاعي : ليس أحد من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم وقال : إذا أخذ في السماع فلا يبقى في الجنة شجرة إلا وردته ، وسأل أبا هريرة رجل : هل لأهل الجنة من سماع؟ فقال : نعم شجرة أصلها من ذهب وأغصانها من فضة وثمارها اللؤلؤ والزبرجد والياقوت يبعث الله ريحا فيجاوب بعضها بعضا فما يسمع أحد أحسن منه (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي البعث يوم القيامة (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) قوله تعالى (فَسُبْحانَ اللهِ) أي فسبحوا الله ومعناه صلوا لله (حِينَ تُمْسُونَ) أي تدخلون في المساء وهي صلاة المغرب والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) أي تدخلون في الصباح وهي صلاة الصبح (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال ابن عباس يحمده أهل السموات والأرض ويصلون له (وَعَشِيًّا) أي وصلوا لله عشيّا يعني صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) أي تدخلون في الظهيرة وهي صلاة الظهر. قال نافع ابن الأزرق لابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال : نعم وقرأ هاتين الآيتين