كلا ، إنها رسالة موصولة ، لا تسقط مسئوليتهم عنها في أى عصر ، حتى لو كانت هناك دورات حضارية شهدت قمة نهضتهم ، ثم آلت إلى أفول وذبول ، ولأنهم تعلموا من الدين ذاته أن هناك شروطا للنهضة إذا التزموها وأدوا حقها عز الإسلام وعزوا ، وإذا تخلوا عنها زالت دولتهم وذلوا (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) [محمد : ٣٨]. وليس هناك ما يسمى «تفويضا يضمن للمسلمين الغلبة والنصر» ولكن هناك سنن لا تتخلف (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) [محمد : ٧].
وفى معرض تثبيت الإيمان واليقين في قلوب المسلمين ، عامتهم وخاصتهم ، يجيء تناول بعض الآيات الكونية فى القرآن الكريم تناولا علميّا تأصيليّا دقيقا بالحقائق الثابتة التى تؤكد إعجاز هذا القرآن العظيم في مجال من المجالات التى تناسب لغة العصر وهو العلم.
ويجب أن ندرك أن الحقيقة العلمية مع ذلك ليست مقصودة لذاتها ، وإنما هى في سياق المقاصد الأساسية للقرآن ، وهى هداية البشرية ، والإيمان بالله ووحدانيته وقدرته ، وبالإسلام ومبادئه وسموه وشموله وكماله ، شريطة الالتزام في ذلك بطلب الحقيقة العلمية الثابتة بيقين ، وعدم العدول عن حقيقة اللفظ القرآنى إلى مجازه إلا بقرينة واضحة قاطعة.
وأخيرا وليس آخرا ، لا بد من ملاحظة أن اللفظ القرآنى راعى في خطابه حال العرب ومعارفهم عند نزوله ، ضمانا لهدايتهم ، واحتوى مع ذلك على الحقيقة الأبدية التى لا تتبدل : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم : ٣٠] ويتجدد بها إيمان الناس كلما تكشفت لهم عصرا بعد عصر ، ولا يوجد هذا في غير القرآن الكريم.
ولو خاطب القرآن الناس فى عصر التنزيل عن الكون بما لا تستطيع عقولهم إدراكه ، لأقام بينه وبينهم سدّا وحائلا يمنع قبولهم لدعوته ، ولأنكروه وكذبوه ، كذلك فإن هداية القرآن تقتضى ألا يقر الناس على فساد ما يعتقدون ـ حين يعتقدونه ـ حتى لو كان ذلك يؤدى إبّان نزوله إلى القبول بهدايته ؛ لأن ذلك لو وقع ـ وما كان