كتابا مقروءا ، فقد جعل هذا الكون ناطقا بخالقية الله سبحانه وتعالى ، يدرك ذلك من يقرأ فى آيات الله ، قدرته وما يشهد الكون به على عظمة الله فى الخلق (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق : ١]
ولذلك يمكن القول بأن القرآن الكريم والكون هما مصدرا الحقائق الدينية والعلمية ، والله أنزل الكتاب بالحق (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) [الإسراء : ١٠٥] ، وخلق ـ أيضا ـ الكون بالحق (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) ، ولا يتصور تصادم حقين مصدرهما واحد ، أو تصادم الحق مع نفسه ، ومن ثم فلا تصادم بين الدين المتضمن فى الكتاب ، والعلم المنشور فى صفحة الكون.
إن القرآن الكريم كما أنه كتاب هداية وإرشاد فى مجال العقيدة والتشريع والأخلاق والمعاملة ، فإن من وجوه الهداية فيه ، الهداية القرآنية في الآفاق والأنفس ، قال الله ـ جل وعلا ـ : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : ٥٣].
والحق أنه عند ما تطرح قضية «الإعجاز العلمى في القرآن الكريم» يتحفز بعض المعارضين لها بإثارة عدد من المخاوف ، من نحو : أليس تفسير القرآن الكريم في ضوء العلم ونظرياته يجعل آياته عرضة لتأويلات متغيرة تلقى بظلالها على القرآن الكريم نفسه؟ وإذا كان القرآن الكريم يتضمن إشارات علمية وحقائق كونية اكتشفت فى العصر الحديث على أيدى غير المسلمين ، فلما ذا لم يكن المسلمون هم مكتشفو هذه الحقائق؟ ألا يدفع هذا غير المسلمين إلى التباهى والتشكيك فى القرآن والزعم بأن ما فيه من حقائق مأخوذ عنهم؟ أليس القرآن الكريم كتاب هداية في المقام الأول والأخير ، فلما ذا إقحام مثل هذه الفروض العلمية في تفسير بعض آياته؟ وما فائدة تفسير القرآن بالعلم للمسلم في عالم اليوم؟ ثم ما الضوابط والضمانات التى تنأى بجهود المتحدثين في مسألة الإعجاز العلمى عن ضروب الخلط والرجم بالظن؟