هذه المخاوف والاعتراضات وغيرها تثار ، وهى مخاوف واعتراضات قد تمثل اتهاما لكل من يخوض في قضية الإعجاز العلمى للقرآن الكريم دونما تفريق بين أصحاب التفسير العلمى القائم على الحقائق اليقينية الثابتة ثبوتا قطعيّا ، وبين أصحاب النظر الطائش وأدعياء العلم والفكر ممن يندفعون وراء الحدس الظنى والخيال الوهمى ويحمّلون آيات القرآن الكريم ما لا تحتمل.
القرآن الكريم يجعل من آيات الله الكونية دلائل على طلاقة القدرة وخالقية الله عزوجل ، والإعجاز العلمى فيه تأكيد على أن خالق الأكوان هو منزل القرآن ، وتأكيد موصول على أن العلم فى خدمة الإيمان وأن العلماء أولى الناس بخشية الله يتحدث عن ذلك ضمن تناوله لسائر العلوم دون العلوم الشرعية أو الدينية ، وكأنما يوجه العقول إلى موضوعاتها كضرورة من الضرورات الدينية ، ومفتاحا لتحقيق خشية الله فيقول الله سبحانه وتعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) [الروم : ٢٢] ، وقال جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ* وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر : ٢٧ ، ٢٨].
إن خير عبادة لله أن يهتدى الإنسان إلى أسراره في خلقه ، وأن يدرك حقائق الوجود في نفسه وفى الكون من حوله ، والخبر القرآنى يفسره العلم الحق ، والعلم الحق يسترشد بالخبر القرآنى ؛ ولذلك إذا ثبتت الحقائق العلمية واتفقت مع ما أشار إليه القرآن الذى أنزل قبل ثبوتها بسنين أو بقرون ، فلا ضير من تسخيرها في خدمة قضية الإعجاز.
وليس معنى هذا أن المسلم بحاجة إلى إثبات الإعجاز العلمى للقرآن الكريم وأن إيمانه وقف على إثبات هذا الإعجاز ، أو إثبات إعجازه من أى ناحية أخرى ، فهو بحكم كونه مسلما يؤمن بإعجاز النص القرآنى إيمانا يقينيّا لا لبس فيه.