إذا تقرّر ذلك فنقول : قد ثبت في علم الأصول (١) أنّ [لله] (٢) تعالى في كلّ واقعة حكما واحدا ، وقد ثبت من هذه الآية أنّه لا بدّ من طريق للمكلّف إلى العلم بذلك الحكم يجعله الله تعالى وينصّبه ، وذلك الدليل قد بيّنّاه (٣) أنّه إمّا المعصوم ، أو غيره مثل الإلهام والتواتر والإجماع ، والله تعالى قادر على أن يفعل ذلك.
لكنّ الثاني لم يتحقّق في كلّ مكلّف في كلّ واقعة من أوّل بعثة الأنبياء إلى آخره ، فهو خلاف جري العادة.
فتعيّن الأوّل ، وإلّا لكان الله تعالى مخلّا بالواجب وناقضا لغرضه ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، فتعيّن المعصوم.
فنقول : تخصيصه ببعض الأزمان وبعض المكلّفين ترجيح بلا مرجّح ، فلا بدّ في كلّ زمان من معصوم (٤) واجب العصمة يكون قوله مبدأ (٥) للأحكام الشرعية ودليلا برهانيا قاطعا عليها يفيد العلم ، وذلك هو [الإمام ، وهو] (٦) المطلوب.
وطريق آخر في الاستدلال بهذه الآية : وهو أنّ تمام النعمة قد يكون في الدين ، وقد يكون في الدنيا ، وفيهما المقصود.
ففي الدنيا بخلق الأشياء الضرورية للإنسان [المنتفع] (٧) بها ، وبيان وجه الانتفاع بها ، وكيفية تملّكها ، وكيفية نقلها للمعاملات والمعاوضات.
وفي الآخرة بالأعمال الصالحات ، واجتناب المحرّمات ، وإقامة العادات.
وذلك لا يتمّ إلّا بمعرفة الأحكام الشرعية وطرق التكاليف العقلية ، ولا يحصل ذلك إلّا من المعصوم ، فيجب نصبه.
__________________
(١) مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ٢٤٤. وانظر : المحصول في علم أصول الفقه ٦ : ٣٤.
(٢) في «أ» : (الله) ، وما أثبتناه من «ب».
(٣) بيّنه في الدليل الثاني والعشرين من هذه المائة.
(٤) في «أ» زيادة : (و) بعد : (معصوم) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».
(٥) كذا في «أ» و «ب». وفي هامش «ب» : (سندا) بدل (مبدأ).
(٦) من «ب».
(٧) في «أ» : (الممتنع) ، وما أثبتناه من «ب».